واجبا لا ممكنا 4- و كلّ
ما كانت ماهيّته مغايرة لوجوده، امتنع أن يكون وجوده من ماهيّته، و إلّا كانت
الماهيّة موجودة قبل حصول وجودها 5، و هو محال؛ فوجوده مستفاد من غيره، فكان وجوده
مسبوقا بغيره بالذات، و كلّ ما كان كذلك، كان محدثا بالذات. 6
لا يخفى عليك: أنّ هذه
الحجّة تختلف عن سابقتها في أنّ الحدوث الذاتيّ الّذي يثبت بها هو الحدوث الذاتيّ
بمعنى كون الشيء مسبوقا بغيره لذاته، بينما الّذي يثبت بالاولى هو الحدوث الذاتيّ
بالمعنى المذكور في أوّل الفصل من كون وجود الشيء مسبوقا بالعدم المتقرّر في
مرتبة ذاته.
قال المصنّف قدّس سرّه في
تعليقة له على الأسفار ج 3، ص 246- 247 في شأن هاتين الحجّتين: «الوجهان يشتركان في
إثبات أنّ كلّ ذي ماهيّة- و إن شئت قلت: كلّ ممكن أو كلّ معلول- فإنّه حادث ذاتيّ،
و يلزمه أنّ الواجب قديم ذاتا لعدم مسبوقيّة وجوده بعدم. و إنّما يختلف الوجهان
باختلاف تفسيرهم الحدوث الذاتيّ. فالوجه الأوّل مبنيّ على تفسير الحدوث الذاتيّ
بكون وجود الشيء مسبوقا بعدمه لذاته، و الثاني على تفسيره بكونه مسبوقا بغيره
لذاته. و إنّما يختلف التفسيران بحسب جليل النظر و دقيقه، فإنّ النظر الدقيق يقضي
أنّ العدم لا تقرّر له في الأعيان إلّا في ظرف انتزاع العقل عدم كلّ ماهيّة موجودة
من غيره من الموجودات، فمسبوقيّة وجود الشيء بعدمه بحسب الدقّة هي مسبوقيته بوجود
علّته.» انتهى.
4- قوله قدّس سرّه: «و
إلّا كان واجبا لا ممكنا»
لأنّ موضوع الإمكان هو
الماهيّة- كما مرّ في الفصل الأوّل من المرحلة الرابعة- فما لا ماهيّة له فلا يمكن
أن يكون ممكنا.
5- قوله قدّس سرّه: «و
إلّا كانت الماهيّة موجودة قبل حصول وجودها»
و ذلك لوجوب تقدّم العلّة
في وجودها على المعلول.
6- قوله قدّس سرّه: «كلّ
ما كان كذلك كان محدثا بالذات»
و هو واضح إن فسّرنا
الحدوث الذاتيّ بمسبوقيّة وجود الشيء بغيره ذاتا، و أمّا إن فسّرناه