و ملاك التقدّم و
التأخّر بالتجوهر اشتراكهما فى تقرّر الماهيّة، و للمتأخّر توقّف تقرّريّ على
المتقدّم، كتوقّف الماهيّة التامّة على أجزائها.
و ملاك التقدّم و
التأخّر بالدهر اشتراك مرتبة من مراتب الوجود الكلّيّة 18 مع ما
تعالى؛ حيث إنّه على ذلك
تنحصر العلّة التامّة في وجوده تبارك و تعالى.
الثاني: أنّ المراد من
الوجوب بالذات هنا ليس ما هو المعهود من معناه، و هو الوجوب بالذات بقول مطلق؛ بل
المراد منه الوجوب بالذات نسبيّا و إضافيّا، حيث إن كلّ علّة تامّة واجبة بالذات
بالإضافة إلى معلولها، أي: ليست واجبة بمعلولها، بخلاف المعلول.
18- قوله قدّس سرّه:
«مراتب الوجود الكلّيّة»
للكلّيّ في عرفهم إطلاقات:
1- ما لا يمتنع عن الصدق
على كثيرين. و يقابله الجزئيّ بمعنى ما يمتنع صدقه على كثيرين. و قد مرّ البحث
عنهما في الفصل الثالث من المرحلة الخامسة.
2- العلم الّذي لا يتغيّر
بتغيّر المعلوم بالعرض. و يقابله الجزئيّ و هو العلم الّذي يتغيّر بتغيّر المعلوم
بالعرض، و سيأتي في الفصل الرابع من المرحلة الحادية عشرة.
3- الوجود السعيّ الّذي
يجمع بسعته مراتب كثيرة، أو وجودات متغايرة، فسعة الوجود، إمّا باشتماله على
وجودات كثيرة، كعالم المادّة حيث يشتمل على العناصر، و المعادن و النبات، و أقسام
الحيوان- و منه ما يقال: عوالم الوجود الكلّيّة ثلاثة، حيث إنّ كلّا منها لاشتماله
على كثرات، أو عوالم جزئيّة، يسمّى عالما كلّيّا. فعالم المادّة يشتمل على عالم
العناصر، و عالم المعادن، و عالم النباتات، و عالم الحيوان، و عالم الإنسان- و
إمّا باشتماله على كمالات وجودات كثيرة، ككلّ واحد من العقول الطوليّة، حيث إنّه
يشتمل بوحدته و بساطته على جميع كمالات مادونه من الموجودات. و هذا المعنى هو
المراد هنا، حيث إنّ إحدى المراتب عالم المادّة، و هو كلّيّ، كما بيّنّاه. و سائر
المراتب الطوليّة من المثال و العقل أيضا كذلك، فإنّ العقل الفعّال مثلا و إن كان
واحدا إلّا أنّه لمكان علّيّته واحد بوحدته و بساطته جميع ما في عالم المادّة، فهو
كلّيّ. و هكذا كلّ عقل في السلسلة الطوليّة. و الأمر في الواجب تعالى أوضح.