ثمّ عمّموا ذلك،
فاعتبروه في مورد الشرف و الفضل و الخسّة، و ما يشبه ذلك، ممّا يكون فيه زيادة من
المعنويّات، كتقدّم العالم على الجاهل، و الشجاع على الجبان.
فباعتبار النوع بآثار
كماله مبدءا مثلا 8، يختلف في النسبة إليه العالم و الجاهل، و الشجاع و الجبان. و
يسمّيان تقدّما و تأخّرا بالشرف. 9
و انتقلوا أيضا إلى
التقدّم و التأخّر الزمانيّين، بما أنّ الجزئين من الزمان 10- كاليوم
8- قوله قدّس سرّه:
«فباعتبار النوع بآثار كماله مبدءا مثلا»
أي: اعتبار النوع بجميع
آثار كماله، و بعبارة أخرى: يجعل المثل الأعلى لذلك النوع مبدءا مثلا.
و يمكن أن يجعل المبدء
النوع بنقائصه و رذائله، كما يظهر من قوله قدّس سرّه في الفصل الآتي:
«و ملاك التقدّم و
التأخّر بالشرف اشتراك أمرين في معنى من شأنه أن يتّصف بالفضل و المزيّة، أو
بالرذيلة» و لذلك أتى بقوله: «مثلا».
9- قوله قدّس سرّه:
«يسمّيان تقدّما و تأخّرا بالشرف»
لا يخفى عليك: أنّ
تسميتهما بذلك من باب التغليب؛ فإنّ هذا النوع من التقدّم كما يقع في الشرف و
الفضيلة كذلك يقع في الخسّة و الرذيلة. كما سيصرّح قدّس سرّه بذلك في الفصل الآتي
بقوله: «و مثله تقدّم الأرذل على غيره في الرذالة.» انتهى.
10- قوله قدّس سرّه:
«بما أنّ الجزئين من الزمان»
لا يخفى عليك: أنّ الزمان
متّصل واحد، لا تحقّق و لا تميّز لأجزائه إلّا بالقوّة، بل لا أجزاء له بالفعل
أصلا، فتحقّق التقدّم و التأخّر إنّما هو على فرض الانقسام الوهميّ.
قوله قدّس سرّه: «بما أنّ
الجزئين من الزمان»
أقول: لا اختصاص للسبق و
اللحوق الزمانيّين بأجزاء الزمان؛ فإنّ كلّ آنين مفروضين من الزمان بينهما سبق و
لحوق زمانيّ أيضا.
و منه يظهر أنّ الحوادث
الزمانيّة، التي يتحقّق بينها السبق و اللحوق بتوسّط الزمان، لا تنحصر في الحركات،
بل الامور الدفعيّة و الآنيّات أيضا يتصوّر فيها ذلك.