و يدفعه أوّلا: أنّ
المادّة حيثيّة ذاتها القوّة و القبول، و لازمها الفقدان، و من الضروريّ أنّه لا
يكفي لإعطاء الفعليّة و إيجادها الملازم للوجدان، فلا يبقى للفعليّة إلّا أن توجد
من غير علّة، و هو محال.
و ثانيا: أنّه قد تقدّم
أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد 10؛ و إذ كانت المادّة شأنها الإمكان و القبول، فهي
لا تصلح لأن يستند إليها هذا الوجوب المنتزع من وجود المعلول، و حقيقته الضرورة و
اللزوم و عدم الانفكاك؛ فوراء المادّة أمر لا محالة يستند إليه وجوب المعلول و
وجوده، و هو العلّة الفاعليّة المفيضة لوجود المعلول.
و ثالثا: أنّ المادّة
ذات طبيعة واحدة 11 لا تؤثّر- إن أثّرت 12- إلّا أثرا واحدا متشابها، و قد سلّموا
ذلك 13،
الصورة.
و لا يخفى أنّ مرادهم
بالمادّة هي المادّة الثانية، و هي الجسم مجرّدا عن كلّ صورة نوعيّة.
10- قوله قدّس سرّه: «قد
تقدّم أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد»
في الفصل الخامس من
المرحلة الرابعة.
11- قوله قدّس سرّه:
«أنّ المادّة ذات طبيعة واحدة»
فإنّهم إذا حصروا العلّة
في العلّة المادّيّة كانت جميع الأجسام المركّبة بصورها المختلفة ناشئة عن الأجسام
البسيطة، و هي العناصر، و كانت العناصر بأجمعها ناشئة عن الجسم الّذي هو مرادهم
بالمادّة.
12- قوله قدّس سرّه: «إن
أثّرت»
يشير بقوله قدّس سرّه: «إن
أثّرت» إلى عدم إمكان كونها مؤثّرة، لما مرّ في الوجه الأوّل و الثاني.
13- قوله قدّس سرّه: «قد
سلّموا ذلك»
فعدم صدور الآثار المختلفة
عن الطبيعة الواحدة مسلّم عند الخصم؛ فإنّهم يقولون بأنّ الطبيعة تتشابه في فعلها،
و بهذا يعمّمون ما يشاهدونه في تجاربهم فيحصلون بالتجربة على