و أمّا ترجّح أحد
الجانبين لا لمرجّح من ذاتها و لا من غيرها، فالعقل الصريح يحيله. 4
و عرفت سابقا 5 أنّ
القول بحاجتها في عدمها إلى غيرها نوع من التجوّز، حقيقته أنّ ارتفاع الغير الّذي
تحتاج إليه في وجودها لا ينفكّ عن ارتفاع وجودها، لمكان توقّف وجودها على وجوده. و
من المعلوم أنّ هذا التوقّف على وجود الغير، لأنّ المعدوم لا شيئيّة له. 6
4- قوله قدّس سرّه:
«فالعقل الصريح يحيله»
لأنّه تناقض، حيث انّه
مستلزم لكونها غير متساوية النسبة إلى الوجود و العدم في حدّ نفسها و هي متساوية
النسبة إليهما.
ثمّ لا يخفى عليك: أنّه
كان الأولى أن يقال: الماهيّة لمّا كانت في حدّ ذاتها متساوية النسبة إلى الوجود و
العدم احتاجت في وجودها إلى مرجّح غيرها، و إلّا لزم عدم كونها متساوية النسبة إلى
الوجود و العدم سواء أ كانت ذاتها مرجّحة لوجودها أم لم يكن هناك مرجّح أصلا؛ فإنّ
كلا التقديرين مستلزم لترجّح وجودها بمجرّد ذاتها، فلم تكن في ذاتها متساوية
النسبة إلى الوجود و العدم، هذا خلف. و لكن بعد اللّتيّا و الّتي يبقى هيهنا اشكال
و هو أنّ الماهيّة عندهم اعتباريّة، و كذلك إمكانها، فلا يمكن أن توجب الحاجة إلى
العلّة مع أنّ الحاجة أمر حقيقيّ.
و بعبارة أخرى: لا يمكن
بناء أمر حقيقيّ و هي العلّيّة على أمر اعتباريّ هو الإمكان. فكان اللازم أن
يستفاد في الاستدلال من الإمكان بالمعنى الّذي مرّ منّا في مباحث الموادّ الثلاث،
و هو كون الوجود بحيث يقبل بذاته أن يخلفه العدم، فيقال: إنّ الوجود الّذي بذاته
يقبل أن يخلفه العدم يكون مستوي النسبة إلى الوجود و العدم، فيحتاج ترجّح وجوده
إلى مرجّح خارج عن ذاته ... إلى آخر الاستدلال.
5- قوله قدّس سرّه:
«عرفت سابقا»
في الفصلين الثاني و
الرابع من المرحلة الاولى.
6- قوله قدّس سرّه:
«لأنّ المعدوم لا شيئيّة له»
و التوقّف عليه توقّف على
لا شيء، و هو في معنى التوقّف لا على شيء، المؤدّي إلى عدم التوقّف على شيء،
هذا خلف.