لا يقال: لا ريب في أنّ
الألم شرّ بالذات؛ و إذ كان هو إدراك المنافي بما أنّه مناف، كان أمرا وجوديّا،
لأنّ الإدراك أمر وجوديّ؛ و بهذا ينفسخ قولهم: إنّ الشرّ عدم لا غير.
لأنّه يقال: وجود كلّ
شيء هو نفس ذلك الشيء، ذهنيّا كان أو خارجيّا؛ فحضور
يكن موجودا قبل ذلك
الإدراك، فهو أمر وجوديّ، و أمّا عند إدراك المنافي فالذي يحصل ليس إلّا زوال
السكينة و الاطمئنان و الانبساط الحاصل قبله للنفس، و يدرك هذا الزوال بالعلم
الحضوريّ.
و بهذا يعلم أنّ كون الألم
أمرا عدميّا عند القائل بكون اللّذة و الألم نفس الإدراك إنّما هو مبتن على كون
الإدراك الذي جيء به في تعريف اللذّة و الألم هو الإدراك الحضوريّ. و هذا هو الذي
يظهر من صدر المتألّهين قدّس سرّه في الأسفار ج 7، ص 63- 67 و ج 4، ص 126 و حكاه
عنه المصنّف قدّس سرّه في الفصل الثامن عشر من المرحلة الثانية عشرة، و ارتضاه،
حيث قال:
«فإن قلت: إنّ الألم من
الإدراك غير تفرّق الاتّصال الحاصل بالقطع مثلا، و هو أمر وجوديّ بالوجدان؛ و
ينتقض به قولهم: إنّ الشرّ بالذات عدميّ، اللّهمّ إلّا أن يراد به أنّ منشأ
الشريّة عدميّ و إن كان بعض الشرّ وجوديّا.
قلت: أجاب عنه صدر
المتألّهين قدّس سرّه بأنّ الألم إدراك المنافي العدميّ- كتفرّق الاتّصال و نحوه-
بالعلم الحضوريّ الذي يحضر فيه المعلوم بوجوده الخارجيّ عند العالم، لا بالعلم
الحصوليّ الذي يحضر فيه المعلوم عند العالم بصورة مأخوذة منه لا بوجوده الخارجيّ؛
فليس عند الألم أمران: تفرّق الاتّصال مثلا و الصورة الحاصلة منه، بل حضور ذلك
الأمر المنافي هو الألم بعينه، فهو و إن كان نحوا من الإدراك، لكنّه من أفراد
العدم؛ و هو و إن كان نحوا من العدم، لكن له ثبوت على حدّ ثبوت أعدام الملكات،
كالعمى و النقص و غير ذلك.
و الحاصل أنّ النفس لكونها
صورة الإنسان الأخيرة- التي بحذاء الفصل الأخير- جامعة لجميع كمالات النوع، واجدة
لعامّة القوى البدنيّة و غيرها، فتفرّق الاتّصال، الذي هو آفة واردة على الحاسّة،
تدرك النفس عنده فقدها كمال تلك القوّة التي وردت عليها الآفة في مرتبة النفس
الجامعة، لا في مرتبة البدن المادّيّة.» انتهى.