ما له مطابق يطابقه،
لكنّه غير موجود في الخارج و لا في الذهن، كما في قولنا: «عدم العلّة علّة لعدم
المعلول» 87 و «العدم باطل الذات» 88 إذ العدم لا تحقّق له في خارج و لا في ذهن، و
لا لأحكامه و آثاره. و هذا النوع من القضايا تعتبر مطابقة لنفس الأمر، فإنّ العقل
إذا صدّق كون وجود العلّة علّة لوجود المعلول، اضطرّ إلى تصديق أنّه ينتفي إذا
انتفت علّته 89، و هو
و يحكي ذلك بالقضيّة
الذهنيّة. ففي القضيّة: «الإنسان نوع» مثلا نتصوّر الإنسان ثمّ نرى أنّه محمول على
الكثرة المتّفقة الحقيقة فنؤلّف قضيّة تحكي ذلك، و لمّا كان الحمل شائعا دالّا على
كون الموضوع مصداقا للمحمول. فالإنسان الذهنيّ الذي هو نفسه موضوع، مصداق للمحمول.
و القضيّة تحكي هذه
الحقيقة الثابتة. فالإنسان الذهنيّ كلّيّ، سواء أدركنا ذلك أم لا. و إذا أدركناه
نحكي بما نؤلّفه من القضيّة تلك الحقيقة الثابتة، و ذلك كما أنّ زوايا المثلث
تساوى قائمتين و نحن بعد ما أدركنا ذلك نحكيه بما نؤلّفه من القضيّة. و هذا كما
أنّه حينما يوجد زيد يوجد و هو جسم متحيّز و نحن بعد ما أدركنا ذلك نحكيه بقضيّة
خارجيّة هو قولنا: زيد جسم أو متحيّز.
87- قوله قدّس سرّه: «عدم
العلّة علّة لعدم المعلول»
لا يخفى عليك: أنّ في هذه
القضيّة جهتين من البحث:
الاولى: أنّ عدّ العدم
علّة مسامحة- إذ لا علّية في العدم- و أنّ معناه بالحقيقة أنّه إذا لم يتحقّق العلّة
في الخارج لم يتحقّق علّيّته أيضا فلم يتحقّق المعلول. و هذه الجهة هي الّتي يبحث
عنها في الفصل الرابع.
الثانية: أنّه ما هو
المطابق لتلك المعنى الحقيقيّ؟ و هذه الجهة هي المبحوث عنها هنا.
يشير إلى ذلك قوله قدّس
سرّه: «اضطرّ إلى تصديق أنّه ينتفي إذا انتفت علّته، و هو كون عدمها علّة لعدمه.»
انتهى.
88- قوله قدّس سرّه:
«العدم باطل الذات»
مثال ثان، كما أتى لكلّ من
التقسمين السابقين أيضا بمثالين. و يشهد أيضا لما ذكرنا قوله قدّس سرّه في آخر
الصفحة الآتية: «فكون العدم مثلا باطل الذات في نفس الأمر ...» انتهى.
89- قوله قدّس سرّه:
«اضطرّ إلى تصديق أنّه ينتفي إذا انتفت علّته»
فلهذه القضيّة مطابق ثابت
لا ثبوتا أصليّا. بل ثبوتا تبعيّا بتبع ثبوت وجود العلّة و علّيّتها لوجود
المعلول.
و بعبارة اخرى: الثبوت
للوجود الخارجيّ، و هو مطابق قضيّة «وجود العلّة علّة لوجود