توضيح ذلك: أنّ من
التصديقات الحقّة 85 ما له مطابق في الخارج، نحو الإنسان موجود و الإنسان كاتب. و
منها ما له مطابق في الذهن 86، نحو الإنسان نوع و الحيوان جنس. و منها
بالوصف أوّلا و توجب
اتّصاف التابع ثانيا، كما أنّ حركة الجوهر توجب حركة أعراضه بالتبع. و أمّا
الاتّصاف بالعرض فهو اتّصاف مجازيّ و إسناد للوصف إلى غير ما هو له. و بعبارة اخرى
الاتّصاف بالتبع و الاتّصاف بالعرض و إن كانا مشتركين في كون كلّ منها اتّصافا
بواسطة إلّا أنّ الواسطة في ما بالتبع واسطة في الثبوت و في الاتّصاف بالعرض واسطة
في العروض- لكن قد يستعمل أحدهما في مكان الآخر. و منه التبعيّ في كلام المصنّف
قدّس سرّه هاهنا، لأنّ غير الوجود لا ثبوت له إلّا بالعرض.
85- قوله قدّس سرّه: «من
التصديقات الحقّة»
أي: من التصديقات الصادقة.
فإنّ الحقّ هو الصادق ذاتا، و إنّما يختلفان اعتبارا؛ فإنّ الخبر المطابق للواقع
يسمّى صادقا باعتبار مطابقته للواقع و حقّا باعتبار مطابقة الواقع له، فإنّ
المطابقة من الطرفين.
قال الشيخ في الفصل الثامن
من المقالة الأولى من الهيّات الشفاء ص 48:
«أما الحقّ فيفهم منه
الوجود في الأعيان مطلقا، و يفهم منه الوجود الدائم، و يفهم منه حال القول أو
العقد الذي يدلّ على حال الشىء في الخارج إذا كان مطابقا له، فنقول: هذا قول حقّ،
و هذا اعتقاد حقّ. فيكون الواجب الوجود هو الحقّ بذاته دائما، و الممكن الوجود حقّ
بغيره، باطل في نفسه. فكلّ ما سوى الواجب الوجود الواحد باطل في نفسه. و أما الحقّ
من قبل المطابقة فهو كالصادق، إلّا أنه صادق فيما أحسب باعتبار نسبته إلى الأمر، و
حقّ باعتبار نسبة الأمر إليه.» انتهى.
86- قوله قدّس سرّه: «و
منها ما له مطابق في الذهن»
و هي القضايا التي تكون
محمولاتها من المعقولات الثانيه المنطقيّة، سواء كانت موضوعاتها أيضا كذلك أم لا.
مثال الاولى قولنا:
الكلّيّ إمّا ذاتيّ أو عرضيّ، و الجنس إمّا قريب أو بعيد.
و مثال الثانية ما ذكره
المصنّف قدّس سرّه
و وجه مطابقة هذه القضايا
لما في الذهن- مع أنّ القضيّة نفسها أمر ذهنيّ و لا معنى لمطابقة الشيء لنفسه- هو
أنّا نتصوّر الموضوع و تصوّره تحقّقه في الذهن و بتحقّقه يتحقّق كلّ ما له من
الصفات و الخواصّ، ثمّ يعود العقل ثانيا فيفحص عنه، و يكشف بعض ما له من الخواصّ،