فيعقلها وحدها من غير
نظر إلى وجودها 75. فليس الوجود عينها و لا جزء لها. و من الدليل على ذلك 76: جواز
سلب الوجود عن الماهيّة، و احتياج اتّصافها به إلى الدليل 77، و كونها
و بعبارة اخرى: الكلام هنا
في مغايرة الماهيّة بالحمل الشايع للوجود بالحمل الشايع، و هناك في مغايرة الماهيّة
بالحمل الأوّليّ للوجود بالحمل الأوّليّ. و يدلّ على ما ذكرنا قوله قدّس سرّه:
«للعقل أن يجرّد الماهيّة
عن الوجود فيعقلها وحدها من دون نظر إلى وجودها.» انتهى.
و على هذا يظهر أنّ
المغايرة هناك كانت مغايرة حقيقيّة، و أنّها ههنا مغايرة اعتباريّة و ذلك لمكان
اعتباريّة الماهيّة بحسب الخارج، بينما كان مفهوما موجودا في الذهن حقيقة مغايرا
حقيقة لأيّ مفهوم آخر.
75- قوله قدّس سرّه:
«بمعنى أنّ للعقل أن يجرّد الماهيّة عن الوجود فيعقلها وحدها من غير نظر إلى
وجودها»
لا يخفى: أنّ العروض لم
يتمّ معناه، فإنّ العروض هو الحمل، و المغايرة من لوازمه، حيث إنّ الحمل يقتضي
مغايرة مّا بين الموضوع و المحمول. فكان الأولى أن يزيد على العبارة قولنا: «ثمّ
يحمله عليها». قال قدّس سرّه في الفصل الثالث من المرحلة الأولى من بداية الحكمة:
«فللعقل أن يجرّد الماهيّة- و هي ما يقال في جواب ما هو- عن الوجود فيعتبرها وحدها
فيعقلها، ثمّ يصفها بالوجود و هو معنى العروض.» انتهى.
76- قوله قدّس سرّه: «و من
الدليل على ذلك»
لا يخفى عليك: أنّ كلّا من
جواز سلب الوجود عن الماهيّة، و احتياج اتّصافها به إلى الدليل، و كونها متساوية
النسبة إلى الوجود و العدم، دليل برأسه كما صرّح قدّس سرّه بذلك في البداية.
قوله قدّس سرّه: «و من
الدليل على ذلك»
لا يخفى عليك: أنّ الدليل
الذي هو أولى و أقدم من الأدلّة الثلاثه- و يشعر به كون المسألة من فروع أصالة
الوجود و اعتبارية الماهيّة- هو أنّ الوجود أصيل و الماهيّة اعتبارية فلا يمكن أن
يكون أحدهما عين الآخر، لاستلزامه كون الأصيل اعتباريّا و الاعتباريّ أصيلا. و
لعلّ التعبير بلفظة «من» التبعيضيّة إشارة إلى ذلك.
77- قوله قدّس سرّه:
«احتياج اتّصافها به إلى الدليل»
لا يخفى: أنّه أراد من
الدليل هنا معناه اللغويّ. و هو مطلق ما يدلّ على الشيء سواء كان هو الحسّ و
المشاهدة، أو الحجّة و القياس، كما لا فرق في القياس بين أن يكون محتاجا إلى كسب و
نظر أو يكون حاضرا في الذهن أو مرتكزا فيه. فيعمّ الكلام ما كان من الماهيّات
وجوده