فالحقّ أنّ تعريفَهما بما عُرِّفا به
تعريفٌ لفظيٌّ يراد به التنبيه على معناهما وتمييزه من بين المعاني المخزونة عند
النفس [١].
فالواحد هو : «الذي لا ينقسم من حيث
إنّه لا ينقسم» ، والتقييد بالحيثيّة ليندرج فيه الواحد غير الحقيقيّ الذي ينقسم
من بعض الوجوه [٢]
، والكثير هو : «الذي ينقسم من حيث إنّه ينقسم».
فقد تحصّل أنّ الموجود ينقسم إلى الواحد
والكثير ، وهما معنيان متباينان تبايُنَ أحد القسمين للآخر.
تنبيهٌ :
قالوا : «إنّ الوحدةَ تُساوِق الوجود» [٣] ، فكلُّ موجود فهو واحدٌ من جهة أنّه
موجودٌ ، حتّى أنّ الكثرة الموجودة ـ من حيث هي موجودة ـ كثرةٌ واحدةٌ ، كما يشهد
بذلك عَرْض العدد لها والعدد مؤلَّف من آحاد ، يقال : كثرة واحدة وكثرتان وكثرات
ثلاث ، وعشرة واحدة وعشرتان وعشرات ثلاث ، وهكذا.
وربّما يتوهّم [٤] أنّ انقسام الموجود إلى الواحد والكثير
ينافي كون الواحد مساوقاً للموجود ، وذلك أنّ الكثير ـ من حيث هو كثيرٌ ـ موجودٌ
لمكان الانقسام المذكور ، والكثير ـ من حيث هو كثير ـ ليس بواحد ، ينتج أنّ بعض
الموجود ليس بواحد ، وهو يناقض قولهم : «كلٌّ موجود فهو واحدٌ».
[١] قال الشيخ
الرئيس في الفصل الثالث من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء : «ثمّ يكون تعريفنا
الكثرة بالوحدة تعريفاً عقليّاً ، وهنالك نأخذ الوحدة متصوّرةً بذاتها ومن أوائل
التصوّر ، ويكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيهاً». وتبعه في ذلك الفخر الرازيّ في
المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٨٤ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣.
[٢] هكذا قال
صدرالمتألّهين في الأسفار ج ٢ ص ٨٣ ـ ٨٤ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٢٢٥.