وذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني
مطلقا ، وأن علم النفس بشيء إضافة خاصة منها إليه ، ويرده العلم بالمعدوم ، إذ لا
معنى محصلا للإضافة إلى المعدوم.
واحتج المشهور على ما ذهبوا إليه ، من
الوجود الذهني بوجوه :
الأول أنا نحكم على المعدومات بأحكام إيجابية
، كقولنا بحر من زيبق كذا ، وقولنا اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين [١] ، إلى غير ذلك والإيجاب إثبات ، وإثبات
شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فلهذه الموضوعات المعدومة وجود ، وإذ ليس في الخارج
ففي موطن آخر ونسميه الذهن.
الثاني أنا نتصور أمورا تتصف بالكلية والعموم
، كالإنسان الكلي والحيوان الكلي ، والتصور إشارة عقلية لا تتحقق إلا بمشار إليه
موجود ، وإذ لا وجود للكلي بما هو كلي في الخارج ، فهي موجودة في موطن آخر ونسميه
الذهن.
الثالث أنا نتصور الصرف من كل حقيقة ، وهو
الحقيقة ، محذوفا عنها ما يكثرها بالخلط والانضمام ، كالبياض المتصور بحذف جميع
الشوائب الأجنبية ، وصرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر ، فهو واحد وحدة جامعة لكل ما
هو من سنخه ، والحقيقة بهذا الوصف غير موجودة في الخارج ، فهي موجودة في موطن آخر
نسميه الذهن.
[١] فإن قيل : إن
أدلة الوجود الذهني مصبها إثبات الوجود الذهني للماهيات ، والممتنعات باطلة الذوات
ليست لها ماهيات وإنما يختلق العقل مفهوما لأمر باطل الذات ، كشريك البارئ واجتماع
النقيضين وغيرهما.
قلنا : إن لهذا الذي يختلقه
العقل ثبوتا ما ، لمكان الحمل ، وإذ ليس في الخارج ففي موطن آخر ، نسميه الذهن. ـ منه
(رحمه الله) ـ.