يشهد عليه و الأفعال التي
شاهدناها دلت عليه من جهة جوازها و إمكانها في ذاتها و الجواز قضية واحدة تدل على
الصانع من حيث إنها ترددت بين الوجود و العدم فلما ترجح جانب الوجود اضطررنا إلى
إثبات مرجح و ليس في نفس الجواز و ترجحه ما يدل على مرجحين كل واحد منهما يستقل
بالترجيح فإنه لو لم يستقل بالترجيح لم يكن إلها و إنما ترجح جانب الوجود لأنه
أراد التخصيص بالوجود و كما أراد علم أنه هو المرجح، فلو قدرنا مرجحا آخر و شاركه
في الترجيح بطل الاستقلال، و لم يكن علمه و إرادته و قدرته أيضا بأن يكون هو
المرجح و إن لم يشاركه في الترجيح و كان متعطلا لم يكن علمه و إرادته و قدرته أيضا
بأن يكون هو المرجح بل يكون علمه متعلقا بترجيح غيره و إرادته كذلك، و إذا تعلق
علمه بأن يكون غيره هو المرجح كان محالا أن يكون هو المرجح فإن خلاف المعلوم محال
الوقوع و كذلك إرادته تكون تمنيا و تشهيا من غيره حتى تخصص لا قصدا و ترجيحا و
تخصيصا من ذاته فقد تطرق النقص إلى كل صفة من صفاته بل كان مفتقرا في جميع ذلك إلى
غيره و الفقر ينافي الإلهية و هذه الطريقة تعضد بيان طريقة الاستغناء و هي أحسن ما
ذكر في هذه المسألة[1].
سؤال على دليل التمانع
في فعلين مختلفين:
فإن قيل الاختلاف الذي
قدرتموه في إرادة التحريك من أحدهما و إرادة التسكين من الآخر غير متصور فإن
الإرادة تتبع العلم و العلم يتبع المعلوم فإذا كان المعلوم هو الحركة فمن ضرورته
أن يكون المراد هو الحركة و تقدير الاختلاف في العلم غير متصور فتقدير الاختلاف في
الإرادة أيضا غير متصور، و مبنى دلالة التمانع على تحقيق الاختلاف أو تقديره و ذلك
غير جائز فبطل التمسك بها[2].
قال الأصحاب: الحركة و
السكون من جملة الجائزات جبلة إذ ليس في وجود كل واحد منهما استحالة، و إذا كانت
القدرة صالحة و تقدير الاختلاف في الإرادة متصور عقلا فنحن نجعل المقدر كالمحقق و
إن ما يلزم من التحقيق يلزم من التقدير
[1] انظر: غاية المرام
في علم الكلام للآمدي (ص 154، 273)، و فضائح الباطنية للغزالي (ص 151)، و الفصل في
الملل و النحل لابن حزم (1/ 48) (3/ 124)، و المواقف للإيجي (3/ 60، 64)، و لمع
الأدلة للجويني (ص 98)، و الغنية في أصول الدين للنيسابوري (ص 67، 68)، و مرهم
العلل لليافعي (ص 57)، و رسالة الأشعري إلى أهل الثغر (ص 156).
[2] انظر: شفاء العليل
(ص 150)، و الملل و النحل للمصنف (2/ 207)، و المواقف (2/ 117، 119)، و الغنية في
أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري (ص 69)، و التمهيد للباقلاني (ص 70)، و رسالة
الأشعري إلى أهل الثغر (ص 156).