القاعدة السادسة عشرة في
جواز رؤية الباري تعالى عقلا و وجوبها سمعا[1]
لم يصر صائر من أهل القبلة
إلى تجويز اتصال أشعة من البصر بذاته تعالى أو انطباع شبح يتمثل في الحاسة منه و
انفصال شيء من الرائي و المرئي و اتصاله بهما، لكن أهل الأصول اختلفوا في أن
الرؤية إدراك وراء العلم أم علم مخصوص، و من زعم أنه إدراك وراء العلم اختلف في
اشتراط البنية و اتصال الشعاع و نفي القرب المفرط و البعد المفرط و توسط الهوى
المشف فشرطها المعتزلة و نفوا رؤية الباري تعالى بالأبصار نفي الاستحالة، و
الأشعري أثبتها إثبات الجواز على الإطلاق و الوجوب بحكم الوعد ثم ردد قوله إنه علم
مخصوص أي لا يتعلق إلا بالموجود أم هو إدراك حكمه حكم العلم في التعلق أي لا يتأثر
من المرئي و لا يؤثر فيه و نحن نورد كلام الفريقين على الرسم المعهود.
قالت الأشعرية: الموجودات
اشتركت في قضايا و اختلفت في قضايا، و الرؤية قد تعلقت بالمختلفات منها و المتفقات
و لا يجوز أن يكون المصحح للرؤية ما يختلف فيه فإنه يوجب أن يكون لحكم واحد علتان
مختلفتان و هذا غير جائز في المعقولات، أو يلزم أن يكون لحكم عام علة خاصة هي أخص
من معلولها و ما يتفق فيه الجوهر و العرض إما الوجود أو الحدوث و الحدوث لا يجوز
أن يكون مصححا للرؤية فإن الحدوث هو وجود مسبوق بعدم و العدم لا تأثير له في الحكم
فبقي الوجود مصححا بالضرورة و هذا تقسيم حاصر فإن الرؤية بالاتفاق تعلقت بالجوهر و
العرض و هما قد اختلفا من كل وجه سوى الوجود و الحدوث و قد بطل الحدوث فتعين
الوجود و لا يلزم على هذه الطريقة انتشار الأقسام كما لزم على طريق الأصحاب غير
استبعاد محض للمعتزلة في قولهم لو كان كل موجود مرئيا لكان العلم و القدرة و الطعم
و الرائحة و ما سوى اللون و المتلون مرئيا و لكان نفس الرؤية مرئية بالرؤية و هذا
محال و يلتزم أبو
[1] انظر: غاية المرام
للآمدي (ص 159)، و الإبانة للأشعري (ص 43)، و التمهيد للباقلاني (ص 301)، و تبيين
كذب المفترى للعسكري (ص 129)، و بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/ 345، 348، 349،
353، 357)، و الصواعق المرسلة لابن قيم (4/ 1334).
نهاية الأقدام في علم
الكلام 201 القاعدة السادسة عشرة في جواز رؤية الباري تعالى عقلا و وجوبها
سمعا