فالخصم ينكره أصلا، فكيف
يصح منه كلامه في وحدته و كونه أزليا قديما، و لكن ليس يتكلم الخصم في هذه المسألة
إلا على سبيل الإلزام و إيراد الإشكال.
قالت المعتزلة: لو كان
كلامه تعالى واحدا لاستحال أن يكون مع وحدته أمرا و نهيا و خبرا و استخبارا و وعدا
و وعيدا فإن هذه حقائق مختلفة و خصائص متباينة و من المحال اشتمال شيء واحد له
حقيقة واحدة على خواص مختلفة نعم يجوز أن يكون معنى واحدا يشمل معاني مختلفة
كالجنس و النوع فإن الحيوانية معنى واحد يشمل معاني مختلفة و كذلك الإنسانية تشمل
أشخاصا مختلفة لكن لا يتصور وجود المعنى الجنسي إلا في الذهن، و يستحيل أن يتحقق
في الوجود شيء واحد هو أشياء مختلفة و حقيقة واحدة هي بعينها حقائق مختلفة حتى
تكون حقيقة واحدة علما و قدرة و إرادة و سوادا و حركة فإن ذلك يرفع الحقائق و يؤدي
إلى السفسطة فنسبة الأمر و النهي و الخبر و الاستخبار و الوعد و الوعيد و هي حقائق
مختلفة إلى الكلام كنسبة العلم و القدرة و الإرادة و السواد و الحركة و هي حقائق
مختلفة إلى شيء واحد و ذلك محال، و إذا كان لكل واحد من أقسام الكلام حقيقة خاصة
فليكن لكل واحد منهما صفة خاصة و إن قلتم إن الكلام اسم جنس يشمل أنواعا صحيح غير
أن الجنس لا يتحقق له وجود ما لم يتنوع بفصل يميز نوعا عن نوع و النوع لا يتحقق له
وجود ما لم يتشخص بعارض يميز شخصا عن شخص و ذلك كالعرض المطلق من حيث هو عرض لا
يتحقق له وجود ما لم يتنوع بكونه لونا و اللون لا يتحقق له وجود ما لم يتعين بكونه
سوادا معينا و إلا فالعرض ليس له ذات على انفراده قائم بجوهر ثم يكون هو بعينه
علما و قدرة و لونا و سوادا و طعما و أنتم أثبتم الكلام قائما بذات الباري تعالى
على هذا المنهاج أنه حقيقة واحدة هي بعينها أمر و نهي و خبر و استخبار و ذلك محال[1].
قالت الأشعرية: حكي عن بعض
متقدمي أصحابنا أنه أثبت للّه خمس كلمات هي خمس صفات الخبر و الاستخبار و الأمر و
النهي و النداء، فإن سلكنا هذا المسلك اندفع السؤال و ارتفع الإشكال لكن المشهور
من مذهب أبي الحسن أن الكلام صفة واحدة لها خاصية واحدة و لخصوص وصفها حد خاص و
كونه أمرا و نهيا و خبرا و استخبارا خصائص، أو لوازم تلك الصفة كما أن علمه تعالى
صفة واحدة تختلف معلوماتها و هي غير مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم و الحادث
و الوجود و العدم و أجناس المحدثات و كما لا يجب تعدد العلم بعدد المعلومات، كذلك
لا يجب تعدد الكلام بعدد المتعلقات و كون الكلام أمرا و نهيا أوصاف الكلام لا
أقسام الكلام كما