ذهبت الأشعرية إلى أن كلام
الباري تعالى واحد و هو مع وحدته أمر و نهي و خبر و استخبار و وعد و وعيد، و ذهبت
الكرامية إلى أن الكلام بمعنى القدرة على القول معنى واحد و بمعنى القول معان
كثيرة قائمة بذات الباري تعالى و هي أقوال مسموعة، و كلمات محفوظة تحدث في ذاته
عند قوله و تكلمه و لا يجوز عليها الفناء و لا العدم عندهم، و ذهبت المعتزلة إلى
أن الكلام حروف منظومة و أصوات مقطعة شاهدا و غائبا لا حقيقة للكلام سوى ذلك، و هي
مخلوقة قائمة بمحل حادث إذا أوجدها الباري تعالى سمعت من المحل و كما وجدت فنيت، و
شرط أبو عليّ الجبائي البنية المخصوصة التي يتأتى منها مخارج الحروف شاهدا و
غائبا، و لم يشترط ذلك ابنه أبو هاشم في الغائب.
قالت الأشعرية: إذا قام
الدليل على أن الكلام معنى قائم بذات الباري تعالى، و كل معنى أو صفة له فهي
واحدة، و كل ما دلّ على أن علمه و قدرته و إرادته واحدة، فذلك يدل على أن كلامه
واحد، و ذلك أنه لو كان كثيرا لم يخل إما أن يكون أعدادا لا تتناهى و إما أن يكون
أعدادا متناهية فإن كان أعدادا لا تتناهى فهو محال لأن ما حصره الوجود من العدد
فهو متناه و إن اقتصر على عدد دون عدد فاختصاصه بالبعض دون البعض يستدعي مخصصا و
القديم لا اختصاص له و الصفة الأزلية إذا كانت متعلقة وجب عموم تعلقها بجميع
المتعلقات لأن نسبتها إلى الكل و إلى كل واحد نسبة واحدة فلئن تعلقت بواحدة تعلقت
بالكل، و إن تخلفت عن واحدة تخلفت عن الكل و خصومنا لو وافقونا على أن الكلام في
الشاهد معنى في النفس سوى العبارات القائمة باللسان، و أن الكلام في الغائب معنى
قائم بذات الباري تعالى سوى العبارات التي نقرؤها باللسان و نكتبها في المصاحف
لوافقونا على اتحاد المعنى لكن لما كان الكلام لفظا مشتركا في الإطلاق لم يتوارد
على محل واحد فإن ما يثبته الخصم كلاما فالأشعرية تثبته و توافقه على أنه كثير و
أنه محدث مخلوق و ما يثبته الأشعري كلاما
[1] انظر: العقيدة
الأصفهانية (ص 96)، و تبيين كذب المفتري (ص 302)، و غاية المرام للآمدي (ص 88،
89).