و هي تتشعب إلى ثلاث مسائل
أحدها: في كون الباري تعالى مريدا على الحقيقة، الثانية: في أن إرادته قديمة لا
حادثة، و الثالثة: أن الإرادة الأزلية متعلقة بجميع الكائنات[1].
أما الأولى: فالكلام فيها
مع النظّام و الكعبي و الجاحظ و النجار، فذهب النظام و الكعبي إلى أن الباري تعالى
غير موصوف بها على الحقيقة و إن ورد الشرع بذلك فالمراد بكونه تعالى مريدا لأفعاله
فإنه خالقها و منشئها، و إن وصف بكونه مريدا لأفعال العباد فالمراد بذلك أنه أمر
بها و إن وصف بكونه مريدا في الأزل، فالمراد بذلك أنه عالم فقط.
و ذهب النجار إلى أن معنى
كونه مريدا أنه غير مغلوب و لا مستكره.
و ذهب الجاحظ: إلى إنكار
أصل الإرادة شاهدا و غائبا، و قال: مهما انتفى السهو عن الفاعل و كان عالما بما
يفعله فهو مريد و إذا مالت نفسه إلى فعل الغير سمي ذلك الميلان إرادة، و إلا فليس
هي جنسا من الأعراض و هو الأولى بالابتداء و هو الأهم بالرد عليه.
فيقال له: إثبات المعاني و
الأعراض، ثم التمييز بين حقيقة كل واحد منها إنما يبتنى على إحساس الإنسان نفسه، و
كما يحس الإنسان من نفسه علمه بالشيء و قدرته عليه يحس من نفسه قصده إليه و عزمه
عليه ثم قد يفعله على موجب إرادته و قد لا يفعله على موجب إرادته و ربما يريد فعل
الغير من غير ميل النفس و التوقان إليه و كذلك يريد فعل نفسه من غير ميل و شهوة
كمن يريد شرب الدواء على كراهية من نفسه، و بالجملة الإحساس حاصل و رده إلى العلم
بالفعل باطل فإن العلم تبين و إحاطة فقط و هو يطابق المعلوم على ما به من غير
تأثير في المعلوم و لا تأثير منه و كذلك يتعلق بالقديم و الحادث و القصد و الإرادة
يقتضي و يخصص فيؤثر و يتأثر و لذلك لا
[1] انظر: شرح قصيدة
ابن قيم لإبراهيم بن عيسى (1/ 73)، و منهاج السنة النبوية لابن تيمية (1/ 297،
380).