و الفضيحة الثالثة له قوله باعراض لا نهاية لها في كل نوع منها، و ذلك انه قال ان
المتحرك متحرك بحركة حلت فيه، و تلك الحركة اختصت بمحلها لمعنى سواها في محلها، و
ذلك المعنى أيضا حال فيه لمعنى سواه لا الى نهاية. و كذلك/ قوله في اختصاص اللون و
الطعم و كل عرض بمحله. و نتيجة هذه البدعة موجبة ان الانسان القادر على فعل عرض ما
يكون اقدر من ربه، لان ربه انما قدر على فعل الاجسام، و هي محصورة العدد، و القادر
من[1] يفعل في حالة واحدة لا نهاية له من
انواع الاعراض، و القادر على ما لا نهاية له في وقته اقدر ممن لا يقدر الا على
افعال محصورة في الوقت[2].
و الفضيحة الرابعة له في قوله في الانسان انه شيء غير هذا الجسد[3]، و هو حي قادر عالم مختار و ليس هو متحركا و لا ساكنا، و لا متلونا،
و لا يرى، و لا يلمس، و لا يحل موضعا، و لا يحويه مكان. فاذا قيل له: هل هو في
الارض او في السماء، او في الجنة او في النار؟ قال انه في الجسد مرئي، و في الجنة
منعم، و في النار معذب، و ليس هو في شيء من هذه/ المواضع حالا و لا متمكنا، لانه
ليس بطويل و لا عريض، و لا ذي وزن. و كأنه اراد ان يصف الانسان بصفة الاله، لان
الانسان حي قادر عالم مختار حكيم، و كذلك اللّه تعالى.
و الانسان عنده ليس بطويل
و لا عريض، و لا ذي وزن و لون و تأليف و حركة، و ليس بحال في مكان، و لا متمكن
فيه، و كذلك اللّه تعالى. و كما يقال ان الاله مدبر للعالم و ليس هو حالا فيه و لا
متمكنا، كذلك الانسان عنده مدبر للجسد و ليس بحال فيه و لا متمكن، فوصف الانسان
بصفة اللّه تعالى.- ثم انه وصف الحمار
[2] في الفضيحة الثالثة
هنا لم يأت ذكر لما حكاه الكعبي «في مقالاته» عن معمر بأن الحركة انما خالفت
السكون لمعنى سواها ...» و هو وارد في كتاب «الفرق» (انظر الفرق ط.
بدر ص 138، الكوثري ص
92- 93، عبد الحميد ص 153) و لكن جاء في آخر الكلام هنا تنويه الى ما حكاه الكعبي
في مقالاته عن معمر بان الاعراض كلها فعل الجسم بطبعه الا الإرادة فانها فعل
الانسان». و الكلام هنا اوضح مما جاء في «الفرق» بهذا الصدد.
[3] المقصود «بالانسان»
هنا النفس. و ما يذكره معمر هنا يصبح واضحا اذا ما طبّق على النفس.