نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 298
على مثل هذه الحالة
فلهذا أعظم فيه النّعيم إذ معنى النّعيم أن ينال الإنسان ما يريده و قال اللّه
تعالى: «وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ[1]» فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذّات الجنّة و أعظم العذاب أن يمنع
الإنسان عن مراده كما قال تعالى: «وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ
وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ[2]» فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنّم و هذا النّعيم يدركه
الشهيد عند انقطاع نفسه من غير تأخير، و هذا الأمر انكشف لأرباب القلوب بنور
اليقين، و إن أردت عليه شهادة من جهة السمع فجميع أحاديث الشهداء تدلّ عليه و كلّ
حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى فقد روي أنّ رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم قال لجابر: أ لا أبشّرك يا جابر؟ و كان قد استشهد أبوه
يوم أحد قال:
بلى يا رسول اللّه بشّرك
اللّه بالخير، قال: إنّ اللّه أحيا أباك فأقعده بين يديه فقال تمنّ عليّ عبدي ما
شئت أعطيكه، قال: يا ربّ ما عبدتك حقّ عبادتك أتمنّي عليك أن تردّني إلى الدّنيا
فأقاتل مع نبيّك في سبيلك فاقتل فيك مرّة أخرى قال له:
و اعلم أنّ المؤمن ينكشف
له عقيب الموت من سعة جلال اللّه ما يكون الدّنيا بالإضافة إليه كالسجن و المضيق و
يكون مثاله كالمحبوس في بيت مظلم فتح له باب إلى بستان واسع الأكناف لا يبلغ طرفه
أقصاه فيه أنواع الأشجار و الأزهار و الطيور و الثمار فلا يشتهي العود إلى السجن
المظلم و قد ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لذلك مثلا فقال لرجل
مات: «أصبح هذا مرتحلا عن الدّنيا و تركها لأهلها فان كان قد رضي فلا يسّره أن
يرجع إلى الدّنيا كما لا يسّر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمّه[4]» فعرّفك بهذا أنّ نسبة سعة الآخرة إلى الدّنيا كنسبة سعة الدّنيا
إلى ظلمة الرّحم.