نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 247
شيخا و إذا صار شيخا
قال: إلى أن تفرغ من بناء هذه الدّار و عمارة هذه الضّيعة أو ترجع من هذه السفرة
أو تفرغ من تدبير هذا الولد و جهازه و تدبير مسكن له أو تفرغ من قهر هذا العدوّ
الّذي يشمت بك و لا يزال يسوّف و يؤخّر و لا يخوض في شغل إلّا و يتعلّق بإتمام ذلك
الشغل عدّة أشغال أخر و هكذا على التدريج يؤخّر يوما و يفضي به شغل إلى أشغال إلى
أن تختطفه المنيّة في وقت لا يحتسبه فتطول عند ذلك حسرته، و أكثر أهل النّار
صياحهم من سوف يقولون وا حزناه من سوف، و المسوّف المسكين لا يدري أنّ الّذي يدعوه
إلى التسويف اليوم هو معه غدا و إنّما يزداد بطول المدّة قوّة و رسوخا و يظنّ أنّه
يتصوّر أن يكون للخائض في الدّنيا و الحافظ لها فراغ قطّ و هيهات فما يفرغ منها
إلّا من أطرحها. كما قيل:
فما قضى أحد منها لبانته
و ما انتهى أرب إلّا إلى أرب
و أصل هذه الأماني
كلّها حبّ الدّنيا و الأنس بها و الغفلة عن معنى قوله عليه السّلام «أحبب ما أحببت
فإنّك مفارقه» و أمّا الجهل فهو أنّ الإنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت
مع الشباب و ليس يتفكّر المسكين في أنّ مشايخ بلده لو عدّوا لكانوا أقلّ من عشر أهل
البلد و إنّما قلّوا لأنّ الموت في الشبّان أكثر، و إلى أن يموت شيخ يموت ألف صبيّ
و شابّ، و قد يستبعد الموت لصحّته و يستبعد الموت فجأة و لا يدري أنّ ذلك غير بعيد
و إن كان ذلك بعيدا فالمرض فجأة غير بعيد، و كلّ مرض فإنّما يقع فجأة و إذا مرض لم
يكن الموت بعيدا، و لو تفكّر هذا الغافل و علم أنّ الموت ليس له وقت مخصوص من شباب
و شيب و كهولة و من صيف و شتاء و خريف و ربيع و من ليل و نهار لعظم اشتغاله
بالاستعداد له و استشعاره و لكنّ الجهل بهذه الأمور و حبّ الدّنيا دعواه إلى طول
الأمل و إلى الغفلة عن تقدير الموت القريب فهو أبدا يظنّ أنّ الموت يكون بين يديه
و لا يقدّر نزوله و وقوعه فيه، و يشيّع الجنائز و لا يقدّر أن يشيّع جنازته لأنّ
هذا قد تكرّر عليه و ألفه و هو شاهد موت غيره فأمّا موت نفسه فلم يألفه و لا
يتصوّر أن يألفه فإنّه لم يقع و إذا وقع لا يقع دفعة أخرى بعده فهو الأوّل و هو
الآخر و سبيله أن يقيس نفسه بغيره و يعلم أنّه
نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 247