نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 143
قلبه بشيء عبدا له، و
إنّما العبد الحقّ للَّه تعالى من أعتق أوّلا من غير اللّه تعالى فصار حرّا مطلقا
فإذا تقدّمت هذه الحرّيّة صار القلب فارغا فحلّت فيه العبوديّة للَّه فتشغله
باللّه و بمحبّته و تقيّد باطنه و ظاهره بطاعته فلا يكون له مراد إلّا اللّه تعالى
ثمّ قد يجاوز هذا إلى مقام أسنى منه يسمّى الحرّيّة و هو أن يعتق أيضا عن إرادته للَّه
من حيث هو هو بل يقنع بما يريد اللّه له من تقريب أو إبعاد فتفنى إرادته في إرادة
اللّه عزّ و جلّ و هذا عبد عتق عن غير اللّه تعالى فصار حرّا ثمّ عاد و عتق عن
نفسه فصار حرّا و صار مفقودا لنفسه و موجودا لسيّده و مولاه، إن حرّكه تحرّك و إن
سكّنه سكن و إن ابتلاه رضي لم يبق فيه متّسع لطلب و التماس و اعتراض بل هو بين يدي
اللّه كالميّت بين يدي الغاسل و هذا منتهى الصّدق في العبوديّة فالعبد الحقّ هو
الّذي وجوده لمولاه لا لنفسه و هذه درجة الصّدّيقين، و أمّا الحرّية عن غير اللّه
فدرجات الصّادقين و بعد هذا يتحقّق العبوديّة للَّه و ما قبل هذا فلا يستحقّ صاحبه
أن يسمّى صادقا و لا صدّيقا، فهذا هو معنى الصدق في القول.
الصّدق الثاني في النيّة
و الإرادة
و يرجع ذلك إلى الإخلاص
و هو أن لا يكون له باعث في الحركات و السكنات إلّا اللّه عزّ و جلّ فإن مازجه شوب
من حظوظ النفس بطل صدق النيّة و صاحبه يجوز أن يسمّى كاذبا كما روينا في فضيلة
الإخلاص من حديث الثلاثة حين يسأل العالم «ما ذا عملت في ما علمت فقال: فعلت كذا و
كذا فقال اللّه عزّ و جلّ: كذبت أردت أن يقال: فلان عالم» فإنّه لم يكذّبه و لم
يقل له: لم تعمل و لكن كذّبه في إرادته و نيّته، و قال بعضهم: الصّدق صحّة التوحيد
في القصد و لذلك قال اللّه تعالى: «وَ اللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ»[1] و قد قالوا: «إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ»[2] و هذا صدق و لكن كذّبهم لا من حيث
نطق اللّسان بل من حيث ضمير القلب و كان التكذيب يتطرّق إلى الخبر و هذا القول
يتضمّن اخبارا بقرينة الحال إذ صاحبه يظهر من نفسه أنّه يعتقد ما يقوله فكذب في
دلالته بقرينة الحال على ما في قلبه فإنّه كذب في ذلك و إن لم يكذب فيما يلفظ به
فيرجع أحدهما في الصدق