نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 5 صفحه : 68
و تطهير القلب من هذه الصفات المذمومة، و
ذلك يطول ذكره و غرضنا في هذا الرّبع من الكتاب بيان علاج الصفات المهلكات، و
يحتاج كلّ صفة إلى كتاب مفرد على ما سيأتي شرحه إن شاء اللّه، نعم إذا قلعت من
القلب أصول هذه الصفات كان للشيطان بالقلب اجتيازات و خطرات و لم يكن له استقرار و
يمنعه من الاجتياز ذكر اللّه تعالى لأنّ حقيقة الذكر لا تتمكّن من القلب إلّا بعد
عمارة القلب بالتقوى و تطهيره من الصفات المذمومة، و إلّا فيكون الذكر حديث النفس
لا سلطان له على القلب فلا يدفع سلطان الشيطان، و لذلك قال اللّه تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا خصّص ذلك
بالمتّقين و مثل الشيطان مثل كلب جائع يقرب منك فإن لم يكن بين يديك لحم و خبز
فإنّه يزجر عنك بأن تقول له: اخسأ فمجرّد الصوت يدفعه، و إن كان بين يديك شيء من
ذلك و هو جائع فإنّه يهجم و لم يندفع بمجرّد الكلام، فالقلب الخالي عن قوت الشيطان
ينزجر عنه بمجرّد الذكر، فأمّا الشهوة إذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذّكر إلى
حواشي القلب، و لم يتمكّن من سويدائه فيستقرّ الشيطان في سويداء القلب، و أمّا
قلوب المتّقين الخالية من الهوى و الصفات المذمومة فإنّه يطرقها الشيطان لا
للشهوات بل لخلوّها بالغفلة عن الذكر، فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان و دليل ذلك
قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ[1] و سائر الأخبار و
الآيات الواردة في الذكر، فمهما طمعت في أن يندفع الشيطان عنك بمجرّد الذكر كما
يندفع عنهم كان محالا و كنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الاحتماء و المعدة مشحونة
بغليظ الأطعمة و يطمع أن ينفع كما نفع الّذي شربه بعد الاحتماء و تخلية المعدة، و
الذكر دواء و التّقوى احتماء يخلي القلب من الشهوات، فإذا نزل الذكر قلبا فارغا من
غير الذكر اندفع الشيطان عنه كما تندفع العلّة بنزول الدّواء في معدة خالية عن
الأطعمة، قال اللّه تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ
لَهُ قَلْبٌ[2] و قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ
تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ[3].