نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 5 صفحه : 55
وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ
يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[1] قيل هي أعمال ظنّوها حسنات فإذا هي
سيّئات و أغمض أنواع علوم المعاملة الوقوف على خدع النّفس و مكايد الشيطان، و ذلك
فرض عين على كلّ عبد و قد أهمله الخلق و اشتغلوا بعلوم تستجرّ إليهم الوسواس و
تسلّط عليهم الشيطان و تنسيهم عداوته و طريق الاحتراز عنه، و لا ينجى من كثرة
الوسواس إلّا سدّ أبواب الخواطر، و أبوابها من خارج الحواسّ الخمس و أبوابها من
داخل الشهوات و علائق الدّنيا و الخلوة في بيت مظلم تسدّ باب الحواس و التجرّد عن
المال و الأهل يقلّل مداخل الوسواس من الباطن و يبقى مع ذلك مداخل باطنه من
التخيّلات الجارية في القلب و ذلك لا يدفع إلّا بشغل القلب بذكر اللّه سبحانه، ثمّ
إنّه لا يزال يجاذب القلب و ينازعه و يلهيه عن ذكر اللّه تعالى فلا بدّ من مجاهدته
و هذه مجاهدة لا آخر لها إلّا الموت إذ لا يتخلّص أحد من الشيطان ما دام حيّا نعم
قد يقوي الأسباب بحيث لا ينقاد له و يدفع عن نفسه مكره بالجهاد و لكن لا يستغني
قطّ عن الجهاد و المدافعة ما دام يجري الدّم في بدنه فإنّه ما دام حيّا فأبواب
الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق و هي الشهوة و الغضب و الحسد و الطمع و الشّره
و غيرها كما سيأتي شرحها.
و مهما كان الباب مفتوحا و العدوّ غير غافل
لم يدفع إلّا بالحراسة و المجاهدة، قال رجل لبعض السلف: أ ينام إبليس؟ فتبسّم و
قال: لو نام لوجدنا عنه راحة.
فإذا لا خلاص للمؤمن عنه نعم له سبيل إلى
دفعه و تضعيف قوّته كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ المؤمن
ينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر»[1]و قال ابن
[1] أنضى البعير: هزله. و الخبر أخرجه أحمد
في المسند و ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن أبي هريرة كما في الجامع الصغير و
ذكره الشريف الرضي في المجازات النبوية ص 264، و قال هذه استعارة و المراد أن
المؤمن يصعب قياده على الشيطان فلا يصغى إلى وساوسه و لا يجعل لهواجسه، اعتصاما
منه بدينه و استيلاما عليه في جنة يقينه، فشيطانه أبدا مكدود معه لطول منازعته
القياد و مفالتته الزمام، فشبهه عليه السّلام لا تعابه الشيطان في الاحتجار عن
اضلاله و الامتناع من اتباعه بالمنضى بعيره في السفر إذا طال سفره و استفرغ قوته و
حسن عريكته.