نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 2 صفحه : 197
لإحياء طريق الآخرة، و
تجديد سنّة المرسلين في سلوكها، فسأله أهل الملل عن الرهبانية و السياحة في دينه
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أبدلنا بها الجهاد و التكبير على كلّ شرف»
يعني الحجّ[1] «و سئل صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم عن السائحين فقال: هم الصائمون»[2] فأنعم اللّه سبحانه على هذه الامّة بأن جعل الحجّ رهبانية لهم،
فشرّف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه و نصبه مقصدا لعباده، و جعل ما حواليه حرما
لبيته و تفخيما لأمره و جعل عرفات كالميدان على فناء حرمه و أكّد حرمة الموضع
بتحريم صيده و شجره و وضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوّار من كلّ فجّ عميق و
من كلّ أوب سحيق، شعثا غبرا، متواضعين لربّ البيت و مستكينين له خضوعا لجلاله و
استكانة لعزّته، مع الاعتراف بتنزّهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك
أبلغ في رقّهم و عبوديّتهم و أتمّ في إذعانهم و انقيادهم، و لذلك وظّف عليهم فيها
أعمالا لا يأنس بها النفوس و لا يهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار و
التردّد بين الصفا و المروة على سبيل التكرار، و بمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرقّ
و العبوديّة، فإنّ الزكاة إرفاق و وجهه معلوم مفهوم و للعقل إليه ميل، و الصوم كسر
للشهوة الّتي هي عدوّا اللّه و تفرّغ للعبادة بالكفّ عن الشواغل، و الركوع و
السجود في الصلاة تواضع للَّه تعالى بأفعال هي هيئة التواضع، و للنفوس انس بتعظيم
اللّه تعالى فأمّا تردّدات السعي و رمي الجمار و أمثال هذه الأعمال فلا حظّ للنفس
و لا انس للطبع فيها و لا اهتداء للعقل إلى معانيها، فلا يكون في الإقدام عليها
باعث إلّا الأمر المجرّد و قصد الامتثال للأمر من حيث إنّه أمر واجب الاتّباع فقط
و فيه عزل العقل عن تصرّفه و صرف النفس و الطبع عن محلّ انسه، فإنّ كلّ ما أدرك
العقل معناه مال الطبع إليه ميلا ما، فيكون ذلك الميل معينا للأمر و باعثا معه على
الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرقّ و الانقياد، و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم في الحجّ على الخصوص: «لبيك بحجّة حقّا تعبّدا و رقّا»[3] و لم يقل ذلك في صلاة و غيرها و إذا