فان قيل: لم لا يجوز أن
يقول من ينصر أصحاب الموافاة: إنّي أجعل الموافاة[1] دلالة على أنّ الايمان وقع حين وقع على وجه استحقّ به الثواب
الدّائم، و لا أجعلها مؤثّرة و لا شرطا في ذلك. كما أنّكم جعلتم الموافاة بالكفر دلالة
على أنّ الذي وقع من الكفر حين وقع على وجه استحقّ عليه العقاب الدائم و لا
تجعلونها مؤثرة و لا شرطا فيه.
قلنا: ليس هذه نصرة لمذهب
أصحاب الموافاة، بل هو خارج عن مذهبهم، بل هو خارج عن قولهم، بل عن الإجماع على ما
ذكرناه، إذ غيرهم من الفرق لا يعتبرون الموافاة أصلا و رأسا، و هم يجعلونها مؤثّرة
أو شرطا، لا دلالة، فجعلها دلالة خروج عن الإجماع.
فإذ قد أبطلنا القول
بالإحباط و بيّنا أنّ الثواب لا يزيله شيء أصلا و البتة، و أنّ العقاب لا يزيله
إلّا العفو عن جهة اللّه الذي هو مالك العقاب، و أنّه لا يزول الندم على المعصية
أيضا، كما لا يزول بطريق التكفير و الإحباط.
فاعلم إنّا انّما نقول
بأنّ الندم على المعصية لا يزيل العقاب، و أنّ العقاب لا يسقط عنده عقلا، أي أنّ
العقل لا يقضي بذلك، و أنّه لا يزيله و لا يسقطه وجوبا، و إلّا فنحن نقول بأنّ
الندم الذي هو التوبة يسقط العقاب عندها تفضّلا من اللّه تعالى إذا وقعت بشرطها، و
أنّ السمع دلّ على ذلك، بل لا دليل عليه عندنا إلّا من جهة السمع. و إذا ذهبنا إلى
أنّ السمع يدلّ على سقوط العقاب عندها فينبغي أن نبيّن حقيقتها و ما يتعلّق بها من
شروطها و أحكامها.
القول في التوبة
يجب أن نبيّن أوّلا حقيقة
التوبة و ما يتعلّق بها، ثمّ نذكر وجوبها على