و لا يعترض قولنا هذا ما
يقوله أهل الإحباط بأن يقال: هم يخالفونكم فيما ادّعيتموه من الاتّفاق، لأنّهم
يقرّون بأنّه إذا لم يتقدّم من فاعل الواجب أو المندوب إليه كبيرة، و لا قارنت
كبيرة فعله الواجب أو المندوب إليه، فانّه يستحقّ به المدح في الحال، من دون
اشتراط بأمر مترقّب. و إنّما يقولون إنّه لو أتى بكبيرة في المستقبل فانّه يزيل
استحقاقه المدح، فسلّم ما ادّعيناه من الاتّفاق.
و بعد، فليس بالاتّفاق
اعتبار فيما ذكرناه، لأنّه معلوم ضرورة، إذ كما يعلم ضرورة استحقاق المدح بفعل
الواجب و المندوب إليه، كذلك يعلم ضرورة أنّه يستحقّ في الحال من دون ترقّب و
انتظار لأمر مستقبل، و إذا استحقّ المدح في الحال فكذلك الثواب.
يوضّح ما ذكرناه و يبيّنه
أنّ الثواب ليس إلّا النفع المستحقّ بطريق التعظيم. و قد بيّنا بما ذكرناه أنّ
التعظيم مستحقّ في الحال، و النفع انّما يستحقّ على ما بيّنه العلماء من حيث إنّه
تعالى جعل هذه الواجبات و المندوبات شاقّة علينا، و كلّفنا فعلها و تحمّل المشاقّ
فيها، فكان ذلك بمنزلة أن يؤلمنا و يلحقنا المشاقّ.
فكما أنّه إذا آلمنا و
أوصل إلينا المشاقّ وجب أن يضمر في مقابلة ذلك عوضا و نفعا، فكذلك إذا كلّفنا
تحمّل المشاقّ وجب أن يضمن في مقابلة ذلك نفعا.
و معلوم أنّ النفع المقابل
للألم يستحقّه المؤلم في الحال و لا يتوقّف على أمر منتظر.
فكذلك النفع المقابل
للمشاقّ التي كلّفنا تحملها في الطاعات نستحقّه في الحال بقضاء العقل به.
فانكشف بهذا البيان أنّ
النفع و التعظيم مستحقّان في الحال و الثواب ليس أكثر من ذلك فثبت أنّ الثواب على
الإيمان و على أيّ طاعة كانت يستحقّ في الحال على منتظر.