صحيحا سليما، لا يلحقه غمّ
و ألم فشيء مقدّر، لا وجه له في الدنيا لا يسلم أحد من الناس في الدنيا من ضروب
الآلام و الغموم، في صغرهم و كبرهم.
فإن قيل: كيف نفى أعواض
القدر الذي أصابه من الآلام و الهموم بما يتجه عليه من الأعواض في مقابلة ما
عددناه من أنواع الظلم؟
قلنا: أعواض ما يستحقّوه
عليه بجميع ما ذكره السائل من أنواع الظلم مستحقّة بطريق الانتصاف، فيكون مساويا
لتلك الآلام في المقدار و لا يكون زائدا عليها، بل يكون في مقابلة كلّ جزء من
الألم جزء من العوض حتّى لا يكون حيفا و ظلما على الظالم، و ليس كذلك أعواض ما
أصابه من الآلام و الغموم من جهته تعالى، فانّها تكون موفية على تلك الآلام و
الهموم زائدة عليها بما لا يكاد يدخل تحت الحصر و العدّ، و لذلك أحسن إيصالها إلى
المؤلم من غير رضاه- على ما ذكره فيما مضى- و إذا كان كذلك تصوّر أن يكون فيها
وفاء جميع ما استحقّ عليه، و اندفع التعجّب.
و أمّا ما ذكره أخيرا في
قتلة الأنبياء و الأولياء عليهم السلام.
فالجواب عنه: أنّ قتلهم
إنّما عظم موقعه في الإثمّ و استحقاق العقوبة عليه من حيث أنّ اولئك القتلة
يستحقّون من العقوبة، و الاستحقاق و الإعانة ما لا يستحقّه غيرهم من المذنبين.
فأمّا العوض المستحقّ عليهم بذلك، فانّه لا يعظم، بل يكون بطريق الانتصاف على ما
ذكرناه و لا يكون زائدا على إيلامهم الأنبياء و الأولياء، إذ لو كان زائدا لكان
ظلما عليهم، على ما مرّ.
و اختار صاحب الفائق القول
بأنّه يحسن من اللّه تعالى أن يتفضّل على الظالم بقضاء ما يستحقّ عليه من الأعواض،
كما يحسن من أحدنا قضاء الدين عن المديون المفلس.
و استدلّ عليه بأن قال:
حقّ المظلوم هو في النفع المقابل للمضارّ التي وصلت إليه. و لا فرق في وصول هذا
الحقّ إليه بين أن يصل إليه من أعواض