أعظم منه، فيكون تكرارا و
إشارة إلى الوجه الذي تقدّم ذكره، و ذلك لأنّ ذلك الألم يكون مقصودا إليه كمن يؤلم
نفسه و يتعبها، أو من يلي عليه[1] من ولده و مملوكه بالفصد و الحجامة و شرب الدواء البشع الكريه أو
سقيه. و يقصد إلى ذلك الإيلام ليدفع به ما هو أعظم منه من ضرر الأمراض. و هذا
الألم الذي ذكرناه آنفا[2]
ليس مقصودا إليه من حيث انّ قصد فاعله الدفع، فيؤدّي الدفع إلى الإيلام، فيقع
الألم غير مقصود إليه. و من وجه آخر يفترقان: و هو أنّ الوجه الأوّل هو إيلام
الحيّ ليندفع به ضرر أعظم منه عن ذلك الحيّ بعينه، و الوجه الثاني إنّما هو نزول
الألم بالحيّ و المقصد في فعل سببه دفع الضرر المتوقّع حصوله من جهته عن غيره.
فهناك وقع الألم دفعا[3]
للضرر الأعظم عن المؤلم، و هاهنا وقع دفع الضرر فيه انّما هو عن غير المؤلم،
فيفترقان من هذا الوجه أيضا.
و منها: أن لا يكون مفعولا
بمجرى العادة و جاريا مجرى فعل غير من فعله.
فإذا اختصّ الألم بوجه من
هذه الوجوه حسن و لم يكن ظلما. و إذا تعرّى عن جميعها كان ظلما. و لهذا حدّدنا الظلم
بأنّه ضرر غير مستحقّ لا يكون فيه نفع موفي عليه للمضرور و لا دفع مضرّة عنه هي
أعظم منه و لا يظنّ فيه أحد هذين الوجهين و لا يكون واقعا على وجه الدفع، و لا
يكون جاريا مجرى فعل غير فاعله مفعولا بالعادة. و كما يقبح الألم لكونه ظلما على
ما بيّناه فقد يقبح لكونه عبثا، و قد يقبح لكونه مفسدة.
و الّذي يبطل قول الثنويّة
بأنّ الآلام كلّها قبيحة، هو أنّ العقلاء بأسرهم يستحسنون ذمّ المسيء في وجهه مع
علمهم بأنّ ذمّهم له يغمّه و يؤذيه. و إنّما يستحسنونه لكونه مستحقّا.