إلى الإرادة فلا يكون للإرادة
وجه وجوب فلا تكون واجبة. فإذا لم تكن واجبة كيف يجوز أن يقال: هلا كانت هي أوّل
الواجبات.
و قد تحرّز سيّدنا المرتضى
علم الهدى- رضي اللّه عنه- عن إرادة النظر في أوّل الذخيرة بأن قال: «أوّل فعل
مقصود يجب على المكلّف الكامل العقل»، و في هذا تسليم وجوب إرادة النظر. و قد ذكر
شيخنا أبو جعفر قدّس اللّه روحه: أنّه رضي اللّه عنه- يعني السيّد- كثيرا ما كان
يقول في تدريسه: «إنّا لا نحتاج إلى هذا التحرّز من حيث انّ العالم بما يفعله إذا
فعله لغرض يخصّه و كان مخلّى بينه و بين الإرادة، فانّه لا بدّ من أن يريده، فلا يتناول
هذه الإرادة التكليف و الحال ما وصفناه، فلا نحتاج إلى التحرّز منه». و هذا ممّا
يمكن أن يقال عليه:
إن عند المشايخ المثبتين
للإرادة أنّ الداعي الذي يدعو إلى الإرادة هو بعينه الداعي إلى المراد و ليس
للإرادة داع مفرد على حياله إذا كان كذلك. فلو كان العاقل ملجا إلى إرادة النظر
لكان ذلك باعتبار أنّ داعيه إليها لم يعارضه صارف و لو كان كذلك لكان ملجا إلى فعل
النظر أيضا كما كان ملجأ إلى إرادته، لأنّ الداعي واحد و هو داعي الإلجاء على ما
قالوه.
فإن قيل: لم لا يجوز أن
يكون ملجا إلى الإرادة؟ و إن لم يكن ملجأ إلى النظر من حيث انّ في مقابلة دعوته
إلى النظر صارفا و هو علمه بلحوق المشقّة في فعل النظر، و هذا الصارف لا يحصل في
فعل الإرادة لأنّه لا مشقّة في فعل إرادة النظر. فعلى هذا لا يمتنع أن يكون ملجأ
إلى الإرادة و لا يكون ملجا إلى النظر و إن كان الداعي إليهما واحدا.
قلنا: إذا كان الداعي إلى
الإرادة هو الداعي إلى المراد و كان دعوته إلى الإرادة تبعا لدعوته إلى المراد،
فمتى ضعفت دعوته إلى المراد لمعارضة صارف له، وجب أن تضعف دعوته أيضا إلى الإرادة
و إلّا بطل القول بأنّه إنّما يدعو الى الإرادة تبعا لدعوته إلى المراد.