و أمّا نعم غير اللّه
تعالى، فأمّا أن يكون نعم الوالدين أو نعم غيرهما من الأجانب، و نعم الأجانب قد
يخلو منها أكثر المكلّفين، و نعم الوالدين قد خلا منها كثير من المكلّفين،
كالملائكة و آدم و حوّاء، صلوات اللّه عليهم، و كمن مات والداه قبل تربيتهم له.
ثمّ و من ربّاه والداه فانّه إنّما يعلم كونهما منعمين عليه و وجوب شكره لهما
بالسمع و إلّا لو خلّي و عقله تجوّز أن يكون قصدهما بتربيته دفع الرّقة و الحنين
الذي يكون لهما عليه عن أنفسهما، لا الإحسان إليه و إذا كان إنّما يعلم وجوب
شكرهما عليه بالسمع، فذلك يكون متأخّرا عن وجوب النظر، فتحقّق أنّ النظر أوّل فعل
واجب على المكلّف على ما ذكرناه.
فإن قيل: لم لا يجوز أن
يكون العلم بوجوب النظر المعيّن، أو الإرادة له، أو الخوف الذي يبتني عليه وجوبه
أوّل فعل يجب على المكلّف؟
قلنا: أمّا العلم بوجوبه،
فالإنسان ملجأ إليه، فلا يدخل تحت تكليفه، لأنّه قد علم ضرورة وجوب كلّ نظر بل كلّ
فعل يخاف من إهماله و تركه و يرجو زوال ما يخافه بفعله، فإذا علم أنّ النظر بهذه
الصفة لا بدّ من أن يعلم وجوبه و لا يبقى له تردّد في فعل هذا العلم ما هذا إلّا
كمن يعلم أنّ الغيار زيّ أهل الذمّة و سمتهم ثمّ رأى شخصا و عليه الغيار فانّه لا
يمكنه أن لا يظنّ انّه من أهل الذمّة.
و أمّا الخوف الذي يقف عليه
وجوب النظر، فانّه شرط في وجوب النظر إن حصل وجب النظر، و إن لم يحصل لم يجب و لا
يجب عليه تحصيله، كالنصاب في وجوب الزكاة، ثمّ و هو ملجأ إلى هذا الخوف عند سبب من
أسبابه.
فامّا إرادة النظر فإن كان
المرجع بها إلى الداعي فهو ملجأ أيضا إليه، لأنّه عالم بوجوبه عند الخوف و إن كان
المرجع بها إلى معنى زائد على الداعي على ما يذهب إليه الشيوخ البصريّون فانّه ليس
لها وجه وجوب من حيث أنّ النظر جنس الفعل، و جنس الفعل بمجرّده لا يحتاج إلى
الإزاحة. و إذا لم يحتج النظر