شيء من ذلك، فمن هذا حاله
لا يكون مكلّفا البتة، و إنّما خلق لانتفاع المكلّفين به.
إذا ثبت أنّ النظر واجب،
فالذي يدلّ على أنّه أوّل فعل يجب على المكلّف ممّا لا يخلو مع كمال عقله منه على
ما ذكرناه هو: أنّ الواجبات منقسمة إلى عقليّة و شرعيّة، و قد علمنا أنّ الشرعيّات
متأخّرة عن العقليّات من حيث انّه لا يمكننا العلم بصحّة الشرع إلّا بعد العلم
باللّه تعالى و توحيده و عدله، و العقليّات تنقسم إلى أفعال و تروك. فالتروك نحو
الامتناع من الظلم و الكذب و العبث و المفسدة لا ترد على ما ذكرناه، لأنّها ليست
أفعالا، و كلامنا في أوّل فعل يجب على المكلّف و الأفعال، نحو ردّ الوديعة و قضاء
الدين و شكر المنعم، و قد يخلو كثير من المكلّفين من وجوب ردّ الوديعة و قضاء
الدين عليه، بأن لا يكون لأحد عنده وديعة و لا في ذمّته دين لأحد.
ثمّ و من يكون عنده وديعة
أو في ذمّته دين فانّما يجب عليه عقلا ما أودع عنه و هو كامل العقل ثمّ يطالب في
الثاني بردّها، فيجب عليه الردّ في الثالث، و كذا إنّما يجب عليه قضاء ما استدانه،
و هو عاقل، ثمّ يطالب في الثاني فيجب عليه قضاؤه في الثالث، و النظر يجب عليه في
الثاني.
و أمّا شكر النعم فانّه لا
يخلو من أنّ يكون شكر نعم اللّه تعالى أو شكر نعم غيره.
و أمّا شكر نعم اللّه
تعالى، فانّما يجب عليه من غير شرط إذا عرفه تعالى، فانّه قصد بما فعل به الإحسان
إليه و هذا متأخر عن معرفة اللّه تعالى على ما ترى.
فأمّا قبل معرفته تعالى
فانّه يكفيه أن يضمر و ينطوي على أنّه إن كانت هذه المنافع التي تصل إلي من فعل
فاعل قصد بها وجه الإحسان فانّه عظيم القدر بذلك، و إنّما اعظمه في مقابلة تلك
النعم و أشكره. و مثل هذا الشرط لا يحصل في وجوب النظر.