يكون من فعل العباد، و
لأنّ ما استدلّ به المشايخ على أنّه لا يفعل القبيح مبنيّ على أنّ العباد فاعلون
لتصرّفاتهم لانّهم يرجعون في ذلك إلى أنّ المخيّر بين الصدق و الكذب لا يختار
الكذب إذا استوى الصدق و الكذب عنده في غرضه على ما حكيناه عنهم. و هذا بناء على
أنّه فاعل لما يقع منه، و إلّا كان يمكن أن يقال إنّما لم يختره لأنّه لم يخلق
فيه.
و قد اختلفت الامّة في هذه
المسألة، فذهب جهم بن صفوان إلى أنّ العباد ليسوا فاعلين و لا مكتسبين لأفعالهم، و
إنّما هم محالّ الأفعال.
و ذهب النجار و الأشعريّ
إلى أنّ العباد مكتسبون لتصرّفاتهم و ليسوا محدثين لها. ثمّ اختلفوا في معنى
الكسب، فمنهم من قال: الكسب وصف للفعل يحصل بالعبد و قدرته. و منهم من قال: معنى
الكسب هو تعلّق قدرة العبد بالتصرّف الواقع فيه من دون أن يكون لقدرته فيه أثر.
و ذهب أهل العدل من الشيعة
و المعتزلة إلى أنّ العباد فاعلون محدثون لتصرّفاتهم ثمّ اختلفوا: فذهب أبو الحسين
و أصحابه إلى انّ هذا يعلم ضرورة، و ذهب أبو عليّ و ابو هاشم إلى أنّه يعلم
بالدليل، و إنّما المعلوم ضرورة تعلّق التصرّف بهم على طريق الجملة من دون أنّ
يعلم أنّهم محدثون لها.
و الواجب أن نبيّن معنى
الفاعل ثمّ ننظر في أنّ ذلك المعنى هل حصل في العباد مع تصرّفاتهم أم لا؟ فذكر
أصحاب أبي هاشم: أنّ معنى الفاعل هو من وجد ما كان قادرا عليه. و إذا كان كذلك
فاستدلالهم على أنّ زيدا فاعل يكون استدلالا على أنّه وجد ما كان زيد قادرا عليه،
و هذا لا يوافق مذاهبهم.
و ذلك لأنّ عندهم أنّهم
يعلمون أوّلا كونه فاعلا، ثمّ يستدلون بكونه فاعلا على أنّه قادر، ثمّ يعلمون
بدليل آخر أنّ اقتداره متقدّم على فعله. و بعد فانّهم يحدّون القادر بأنّه المختصّ
بحال، لمكانه يصحّ منه الفعل، فيذكرون الفعل في حدّ القادر فإذا قالوا: الفاعل هو
الذي وجد ما كان قادرا عليه كانوا قد ذكروا القادر