قلنا: نفرض الكلام فيمن
سكون في مهلة النظر، فلا يعتقد ثوابا و لا عقابا، و مع ذلك فانّا نعلم أنّه لا
يختار الكذب على الصدق و الحال ما وصفناه، فبطل ما قاله السائل.
فإن قيل: المخبر بين الصدق
و الكذب إذا كان الحال ما وصفتموه يكون ملجأ إلى أن يختار الكذب على الصدق، و
الإلجاء في القديم محال.
قلنا: لو كان ملجأ لما
استحقّ المدح على الصدق، و معلوم أنّه يستحقّ المدح، و العقلاء يمدحونه.
فإن قيل: كما أنّ القبيح
لا يفعله العالم بقبحه و باستغنائه عنه في الشاهد، فكذا لا يفعل الحسن إلّا لجرّ
نفع أو دفع ضرر، فكما حكمتم بأنّه تعالى لا يفعل القبيح، فاحكموا بأنّه لا يفعل
الحسن أيضا، لاستحالة جرّ النفع و دفع الضرر عليه.
قلنا: الحسن يفعل لحسنه. و
بيانه أنّ العقلاء لا يعلمون أنّ علمهم بحسن الإحسان إلى الغير و التفضّل عليه
يدعوهم إلى فعله، كما أنّ علمهم بقبح القبيح يصرفهم عن فعله، و لهذا يمدحون المحسن
إلى الغير. و لو علموا أنّه إنما نفع الغير لجرّ نفع إلى نفسه أو دفع ضرر عنه، لما
مدحوه و لقالوا إنّما فعله رياء و سمعة. و لو لم يدلّ على أنّ الحسن قد يفعله
لحسنه لا لجرّ نفع أو دفع ضرر آئل إلى الفاعل، لا ما قد علمنا من انّ اللّه تعالى
خلق العالم و الخلائق، و أنّ أفعاله لا تكون إلّا حسنة و يستحيل عليه النفع و
الضرر، فلا بدّ من ان يقال: إنّما خلقها لحسنها لكفى.
و إذ قد بيّنا أنّه تعالى
لا يفعل القبيح، فلا بدّ من أنّ نبيّن أنّ العباد فاعلون.
و ذلك لأنّ في العالم
قبائح من الظلم و الكذب و المفسدة و العبث و غيرها، و هي حوادث، فإذا لم يكن من
فعل اللّه لما بيّناه من أنّه لا يفعل القبيح وجب أن