قلنا: فهلا أوجب الامتزاج
لم يزل. ثمّ و هذا إبطال القول بالاثنينيّة و مصير إلى القول بالثلاثة.
و يقال لهم: أ فامتزاج
النور و الظلمة خير أم شرّ؟
فإن قالوا خير.
قلنا: فذلك القديم الثالث
يجب أن يكون من جنس النور.
و إن قالوا: شرّ.
قلنا: و كان يجب أن يكون
الثالث من حين الظلمة و يبطل القول بالثالث.
و إن قالوا: ذلك القديم
الثالث مختار.
قلنا: فاختياره الامتزاج
خير أم شرّ؟ و يعود ما أوردنا على الموجب.
ثم و يقال لهم: إن كان
الثالث قادرا مختارا قديما، فهو واجب الوجود بذاته، و يجب أن يكون متصفا بالصفات
التي ذكرناها، فيكون هو اللّه تعالى، و يبطل هذياناتهم.
و إن قالوا: الثالث محدث.
قلنا: فيلزم أن ينتهي ذلك
المحدث عند القديم المختار جلّ جلاله، لأنّ التسلسل باطل، ثمّ يلزم الفرق الثلاثة
قبح الأمر و النهي و المدح و الذمّ لأنّ الموجب لا يحسن أمره و لا نهيه و لا مدحه
و لا ذمّه. و هذا إلزام للديصانيّة حيث أثبتوا الظلمة مواتا لا حياة فيها.
ثمّ يقال لهم: قد نجد
الضياء يدلّ الظالم على المظلوم فيظلمه و يؤذيه، و هذا شرّ صدر من النور، و الظلمة
تخفي المظلوم، فيندفع بذلك إضرار الظالم و هو خير صدر من الظلمة، و على هذا قال
الشاعر:
و كم لظلام الليل عندك من يد
تخبّر أنّ المانويّة تكذب
ثم يقال لهم: جناية
الإنسان و إساءته إلى الخير ممّن يصدر من الظلمة أم من النور؟ فلا بدّ من أن
يقولوا: إنّما صدرت من الظلمة.