و قد ذكرنا مذاهب التناسخية.
و ما من ملة من الملل إلا و للتناسخ فيها قدم راسخ، و إنما تختلف طرقهم في تقرير
ذلك. فأما تناسخية الهند فأشد اعتقادا لذلك؛ لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم،
فيقع على شجرة معلومة فيبيض و يفرخ. ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره و مخالبه،
فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطير، و يسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة.
ثم إذا حال الحول و حان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير و يقع على
الشجرة و هو أبدا كذلك. قالوا: فما مثل الدنيا و أهلها في الأدوار و الأكوار إلا
كذلك.
قالوا: و إذا كانت حركات
الأفلاك دورية فلا محالة يصل رأس الفرجار[1] إلى ما بدأ و دار دورة ثانية على الخط الأول، أفاد لا محالة ما أفاد
الدور الأول، إذ لا اختلاف بين الدورين حتى يتصور اختلاف بين الأثرين، فإن
المؤثرات عادت كما بدأت، و النجوم و الأفلاك دارت على المركز الأول و ما اختلفت أبعادها
و اتصالاتها و مناظراتها و مناسباتها بوجه، فيجب أن لا تختلف المتأثرات الباديات
منها بوجه، و هذا هو تناسخ الأدوار و الأكوار، و لهم اختلافات في الدورة الكبرى؛
كم هي من السنين؟ و أكثرهم على أنها ثلاثون ألف سنة، و بعضهم على أنها ثلاثمائة
ألف سنة و ستين ألف سنة. و إنما يعتبرون في تلك الأدوار سير الثوابت لا السيارات،
و عند الهند أكثرهم: أن الفلك مركب من الماء و النار و الريح، و أن الكواكب فيه
نارية هوائية. فلم تعدم الموجودات العلوية إلا العنصر الأرضي فحسب.