كل شيء، و هو باق الدهر
أزلي، فهو حي بذاته، باق بذاته، عالم بذاته. و إنما ترجع جميع صفاته إلى ما ذكرنا
من غير تكثر و لا تغير في ذاته.
المسألة السادسة:
في أنه لا يصدر عن الواحد
إلا واحد[1] قال: الصادر الأول هو العقل الفعال،
لأن الحركات إذا كانت كثيرة، و لكل متحرك محرك، فيجب أن يكون عدد المحركات بحسب
عدد المتحركات، فلو كانت المحركات و المتحركات تنسب إليه لا على ترتيب أول و ثان،
بل جملة واحدة، لتكثرت جهات ذاته بالنسبة إلى محرك محرك، و متحرك متحرك، فتتكثر
ذاته، و قد أقمنا البرهان على أنه واحد من كل وجه، فلن يصدر عن الواحد من كل وجه
إلا واحد و هو العقل الفعال. و له في ذاته، و باعتبار ذاته، إمكان الوجود.
و باعتبار علته وجوب
الوجود، فتكثر ذاته لا من جهة علته، فيصدر عنه شيئان. ثم يزيد التكثر في الأسباب
فتتكثر المسببات، و الكل ينسب إليه.
قال: إذا كان عدد
المتحركات مترتبا على عدد المحركات، فتكون الجواهر المفارقة كثيرة على ترتيب أول و
ثان. فلكل كرة متحركة محرك مفارق غير متناهي
[1] المبدأ الأول واحد
و إنه يحرك الحركة الأولى الدائمة الأزلية، و بعد ذلك المبدأ جواهر كثيرة حالها
هذه الحال، و القياس يوجب ذلك و الحس شهد عليه، و كل متحرك فحركته من محرك، فالعلة
الأولى يجب أن تكون ضرورة واحدة غير متحركة، و أما الجواهر المحركة للأجسام التي
بعدها فيجب ضرورة أن تكون كثيرة بحسب الأجسام المتحركة، و أن تكون في ذاتها غير
متحركة لكن تتحرك بالعرض كما أوجبه القول في أمر النفس و أن تكون أزلية، إلا أن
الوقوف على كثرة القوى يقصد إلى تعرفه من علم النجوم، و يجب أن يكون عدد القوى
المحركة بحسب عدد الأجسام المتحركة.
[2] ثم إن أرسطو أخذ
يبحث، هل المحرك المفارق الذي ليس بجسم واحدا أو أكثر من واحد، فيقول: إذا كانت
الحركات كثيرة، و المتحرك الواحد محركه واحد، فيجب أن يكون عدد الحركات المفارقة
كثيرة، بحسب عدد المحركات الأزلية. (انظر ذلك في كتاب الإنصاف شرح كتاب اللام لابن
سينا).