ما لا يتناهى، فكيف يقطع
ما يتناهى ما لا يتناهى؟ قال: تقطع بعضها بالمشي، و بعضها بالطفرة[1]. و شبه بحبل شد على خشبة معترضة وسط
البئر، طوله خمسون ذراعا، و عليه دلو معلق. و حبل طوله خمسون ذراعا علق عليه
معلاق[2]، فيجر به الحبل المتوسط، فإن الدلو
يصل إلى رأس البئر و قد قطع مائة ذراع بحبل طوله خمسون ذراعا في زمان واحد، و ليس
ذلك إلا أن بعض القطع بالطفرة. و لم يعلم أن الطفرة قطع مسافة أيضا موازية لمسافة.
فالإلزام لا يندفع عنه و إنما الفرق بين المشي و الطفرة يرجع إلى سرعة الزمان و
بطئه.
السابعة: قال إن الجواهر
مؤلفة من أعراض اجتمعت، و وافق هشام بن الحكم في قوله إن الألوان و الطعوم و
الروائح أجسام. فتارة يقضي بكون الأجسام أعراضا، و تارة يقضي بكون الأعراض أجساما
لا غير.
الثامنة: من مذهبه أن
اللّه تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن، و نباتا، و
حيوانا، و إنسانا. و لم يتقدم خلق آدم عليه السلام خلق أولاده؛ غير أن اللّه تعالى
أكمن بعضها في بعض. فالتقدم و التأخر إنما يقع في ظهورها في مكامنها دون حدوثها و
وجودها. و إنما أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون و الظهور من الفلاسفة و أكثر ميله
أبدا إلى تقرير مذاهب الطبيعيين منهم دون الإلهيين.
التاسعة: قوله في إعجاز[3] القرآن إنه من حيث الإخبار عن الأمور
الماضية و الآتية، و من جهة صرف الدواعي عن المعارضة، و منع العرب عن الاهتمام به
[1] الطفرة: الوثبة و
المراد هنا انتقال جسم من أجزاء المسافة إلى أجزاء أخرى منها من غير أن يحاذي ما
بينهما من أجزائها. و النظّام ممّن قال بالطفرة.
[3] قال النظام: «الآية
و الأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأما التأليف و النظم فقد كان
يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن اللّه منعهم بمنع و عجز أحدثهما فيهم. (راجع
مقالات الإسلاميين 1: 225).