ثم لا يجوز أن يكون
الاجتهاد مرسلا خارجا عن ضبط الشرع؛ فإن القياس المرسل شرع آخر و إثبات حكم من غير
مستند وضع آخر. و الشارع هو الواضع للأحكام؛ فيجب على المجتهد أن لا يعدل في
اجتهاده عن هذه الأركان.
(ب) و شرائط الاجتهاد
خمسة: معرفة قدر صالح من اللغة بحيث يمكنه فهم لغات العرب، و التمييز بين الألفاظ
الوضعية و الاستعارية، و النص، و الظاهر، و العام و الخاص، و المطلق و المقيد، و المجمل
و المفصل، و فحوى الخطاب، و مفهوم الكلام.
و ما يدل على مفهومه
بالمطابقة، و ما يدل بالتضمن، و ما يدل بالاستتباع، فإن هذه المعرفة كالآلة التي
بها يحصل الشيء، و من لم يحكم الآلة و الأداة لم يصل إلى تمام الصنعة.
ثم معرفة تفسير القرآن؛
خصوصا ما يتعلق بالأحكام، و ما ورد من الأخبار في معاني الآيات، و ما رؤي من
الصحابة المعتبرين: كيف سلكوا مناهجها؟ و أي معنى فهموا من مدارجها؟ و لو جهل
تفسير سائر الآيات التي تتعلق بالمواعظ و القصص؛ قيل لم يضره ذلك في الاجتهاد، فإن
من الصحابة من كان لا يدري تلك المواعظ، و لم يتعلم بعد جميع القرآن، و كان من أهل
الاجتهاد.
ثم معرفة الأخبار بمتونها
و أسانيدها، و الإحاطة بأحوال النقلة و الرواة: عدولها و ثقاتها، و مطعونها و
مردودها، و الإحاطة بالوقائع الخاصة فيها، و ما هو عام ورد في حادثة خاصة، و ما هو
خاص عمّم في الكل حكمه، ثم الفرق بين الواجب، و الندب، و الإباحة، و الحظر، و
الكراهة، حتى لا يشذ عنه وجه من هذه الوجوه، و لا يختلط عليه باب بباب.
ثم معرفة مواقع إجماع
الصحابة و التابعين، و تابعي التابعين من السلف الصالحين، حتى لا يقع اجتهاده في
مخالفة الإجماع.
ثم التهدي إلى مواضع
الأقيسة، و كيفية النظر و التردد فيها، من طلب أصل أولا، ثم طلب معنى مخيل يستنبط
منه، فيعلق الحكم عليه، أو شبه يغلب على الظن فيلحق الحكم به.