فهذه خمسة شرائط لا بد من
مراعاتها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الاتباع و التقليد في حق العامي، و إلا فكل
حكم لم يستند إلى قياس و اجتهاد مثل ما ذكرنا فهو مرسل مهمل.
قالوا: فإذا حصّل المجتهد
هذه المعارف ساغ له الاجتهاد. و يكون الحكم الذي أدى إليه اجتهاده سائغا في الشرع،
و وجب على العامي تقليده، و الأخذ بفتواه، و قد استفاض الخبر عن النبي صلّى اللّه
عليه و سلّم أنه لما بعث معاذا إلى اليمن قال: «يا معاذ، بم تحكم؟
قال: بكتاب اللّه، قال:
فإن لم تجد، قال: فبسنّة رسول اللّه، قال: فإن لم تجد؟ قال:
أجتهد برأيي. فقال النبي
صلّى اللّه عليه و سلّم: الحمد للّه الذي وفق رسول رسوله لما يرضاه»[1].
و قد روي عن أمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: «لما بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
سلّم قاضيا إلى اليمن قلت: يا رسول اللّه! كيف أقضي بين الناس و أنا حديث السن،
فضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بيده على صدري و قال: اللهم اهد قلبه و
ثبت لسانه، فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين»[2].
1- أحكام المجتهدين في
الأصول و الفروع
ثم اختلف أهل الأصول في
تصويف المجتهدين في الأصول و الفروع.
فعامة أهل الأصول على أن
الناظر في المسائل الأصولية و الأحكام العقلية اليقينيّة القطعية يجب أن يكون
متعين الإصابة، فالمصيب فيها واحد بعينه، و لا يجوز أن يختلف المختلفان في حكم
عقلي حقيقة الاختلاف بالنفي و الإثبات على شرط التقابل المذكور، بحيث نفي أحدهما
ما يثبته الآخر بعينه من الوجه الذي يثبته، في الوقت
[1] أي أن النبي صلّى
اللّه عليه و سلّم أقرّ معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن اللّه و
رسوله. (راجع أعلام الموقعين 1: 243).
[2] في أعلام الموقعين
ص 295: «و لما كان عليّ باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام. فقال كل منهم هو
ابني فأقرع عليّ بينهم فجعل الولد للقارع و جعل علي للرجلين ثلثي الدية فبلغ النبي
صلّى اللّه عليه و سلّم فضحك حتى بدت نواجده.