و البدعة الثانية: أنهم
قالوا: أخطأ علي في التحكيم إذ حكم الرجال و لا حكم إلا للّه. و قد كذبوا على عليّ
رضي اللّه عنه من وجهين:
(أ) أحدهما: في التحكيم،
إنه حكم الرجال، و ليس ذلك صدقا، لأنهم هم الذين حملوه على التحكيم.
(ب) و الثاني: أن تحكيم
الرجال جائز؛ فإن القوم هم الحاكمون في هذه المسألة، و هم رجال. و لهذا قال عليّ
رضي اللّه عنه: «كلمة حق أريد بها باطل»[1] و تخطوا عن هذه التخطئة إلى التكفير. و لعنوا عليا رضي اللّه عنه
فيما قاتل الناكثين و القاسطين[2] و المارقين. فقاتل الناكثين و اغتنم أموالهم، و ما سبى ذراريهم و
نساءهم. و قتل مقاتلة من القاسطين، و ما اغتنم، و لا سبى، ثم رضي بالتحكيم، و قاتل
مقاتلة المارقين و اغتنم أموالهم، و سبى ذراريهم.
و طعنوا في عثمان رضي
اللّه عنه للأحداث التي عدوها عليه. و طعنوا في أصحاب الجمل و أصحاب صفين.
فقاتلهم عليّ رضي اللّه
عنه بالنهروان مقاتلة شديدة، فما انفلت منهم إلا أقل من عشرة. و ما قتل من
المسلمين إلا أقل من عشرة. فانهزم اثنان منهم إلى عمان[3]، و اثنان إلى كرمان[4]، و اثنان إلى سجستان[5]، و اثنان إلى الجزيرة[6]،
[1] إن عليا بينما هو
يخطب يوما إذ قام إليه رجل من الخوارج فقال، يا علي: أشركت في دين اللّه الرجال و
لا حكم إلّا للّه، فتنادوا من كل جانب لا حكم إلّا للّه، لا حكم إلّا للّه، فقال
علي: اللّه أكبر، كلمة حق يراد بها باطل أما إن لكم عندنا ثلاثا: ما صحبتمونا لا
نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسمه، و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع
أيدينا، و لا نقاتلكم حتى تبدءونا، ثم رجع إلى مكانه الذي كان فيه من خطبته. (راجع
ابن كثير 7: 181 و ابن جرير 6: 41).
[2] القاسط: الذي جار و
حاد عن الحق. و الجمع القاسطون.
[3] اسم كورة عربية على
ساحل بحر اليمن و الهند. (راجع معجم البلدان 4: 151).
[4] ولاية بين فارس و
مكران و سجستان و خراسان. (راجع معجم البلدان 4: 454).