و قال بعضهم أيضا: تتعدد
القدرة بعدد أجناس المحدثات. و أكثرهم على أنها تتعدد بعدد أجناس الحوادث التي
تحدث في ذاته من الكاف و النون، و الإرادة، و السمع، و البصر، و هي خمسة أجناس.
و منهم من فسر السمع و
البصر بالقدرة على التسمع و التبصر، و منهم من أثبت للّه تعالى السمع و البصر
أزلا، و التسمعات و التبصرات هي إضافة المدركات إليهما.
و قد أثبتوا للّه تعالى
مشيئة قديمة متعلقة بأصول المحدثات و بالحوادث التي تحدث في ذاته، و أثبتوا إرادات
حادثة تتعلق بتفاصيل المحدثات.
و أجمعوا على أن الحوادث
لا توجب للّه تعالى وصفا، و لا هي صفات له فتحدث في ذاته هذه الحوادث من الأقوال،
و الإرادات، و التسمعات، و التبصرات، و لا يصير بها قائلا، و لا مريدا، و لا
سميعا، و لا بصيرا، و لا يصير بخلق هذه الحوادث محدثا و لا خالقا، إنما هو قائل
بقائليته، و خالق بخالقيته، و مريد بمريديته[1]، و ذلك قدرته على هذه الأشياء.
و من أصلهم أن الحوادث
التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء حتى يستحيل عدمها؛ إذ لو جاز عليها العدم
لتعاقبت على ذاته الحوادث، و لشارك الجوهر في هذه القضية، و أيضا فلو قدّر عدمها
فلا يخلو: إما أن يقدر عدمها بالقدرة، أو بإعدام يخلقه في ذاته، و لا يجوز أن يكون
عدمها بالقدرة، لأنه يؤدي إلى ثبوت المعدوم
[1] زعموا أن كل اسم
يشتق له من أفعاله، كان ذلك الاسم ثابتا في الأزل مثل الخالق و الرازق و المنعم.
و قالوا إنه كان خالقا
قبل أن خلق، إذ هو خالق بخالقيته، ثم طردوا فقالوا عالم بعالمية قادر بقادرية لا
بعلم و لا بقدرة و إن كان له علم و قدرة و عجب ما ابتدعوه من قائليه و خالقيه و
مريديه فقد أحدثوا ألفاظا لم يتكلم بها عربي و لا عجمي و الأعجب أن زعيمهم ذكر في كتاب
«عذاب القبر» كيفوفيّة اللّه، و ليت شعري كيف أطلق الكيف عليه و كأنه أراد أن
يخترع لفظة تساير عقله المضطرب و تدلّ على ضلالته و جهالته. (راجع التبصير ص 67 و
الفرق بين الفرق ص 219 و 220).