و الثاني: أن التأويل أمر
مظنون بالاتفاق، و القول في صفات الباري بالظن غير جائز، فربما أولنا الآية على
غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ، بل نقول كما قال الراسخون في العلم: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا
آمنا بظاهره، و صدقنا بباطنه، و وكلنا علمه إلى اللّه تعالى و لسنا مكلفين بمعرفة
ذلك، إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان و أركانه. و احتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم
يقرأ اليد بالفارسية، و لا الوجه، و لا الاستواء، و لا ما ورد من جنس ذلك، بل إن
احتاج في ذكره إلى عبارة عبر عنها بما ورد لفظا بلفظ. فهذا هو طريق السلامة، و ليس
هو من التشبيه في شيء.
غير أن جماعة من الشيعة
الغالية، و جماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل: الهشاميين[1] من الشيعة، و مثل مضر، و كهمس[2]، و أحمد[3] الهجيمي و غيرهم من الحشوية. قالوا: معبودهم على صورة ذات أعضاء و
أبعاض، إما روحانية، و إما جسمانية و يجوز عليه الانتقال و النزول و الصعود و
الاستقرار و التمكن.
فأما مشبهة الشيعة فستأتي
مقالاتهم في باب الغلاة.
و أما مشبهة الحشوية؛ فحكى
الأشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن مضر، و كهمس، و أحمد الهجيمي: أنهم أجازوا على
ربهم الملامسة و المصافحة.
و أن المسلمين المخلصين
يعانقونه في الدنيا و الآخرة إذ بلغوا في الرياضة و الاجتهاد إلى حد الإخلاص و
الاتحاد المحض.
و حكى الكعبي عن بعضهم أنه
كان يجوز الرؤية في دار الدنيا، و أن يزوره و يزورهم و حكى عن داود الجواربي أنه
قال: اعفوني عن الفرج و اللحية و اسألوني
[1] أصحاب هشام بن
الحكم و هشام بن سالم الجواليقي الذي نسج على منواله في التشبيه.
[2] الظاهر أنه كهمس بن
المنهال السدوسي أبو عثمان البصري اللؤلؤي و كان قدريا ضعيفا لم يحدث عنه الثقات.
(راجع تهذيب التهذيب 8: 451).
[3] هو أحمد بن عطاء
الهجيمي البصري. كان داعية إلى القدر متعبدا مغفلا. (راجع لسان الميزان 1: 221).