أصحابه من اعتقد أن
الإعجاز في القرآن من جهة صرف[1] الدواعي و هو المنع من المعارضة، و من جهة الإخبار عن الغيب.
و قال: الإمامة تثبت
بالاتفاق و الاختيار دون النص و التعيين[2]؛ إذ لو كان ثمّ
[1] زعم النظام أن
إعجاز القرآن، بالصرفة، أي أن اللّه صرف العرب عن معارضته و سلب عقولهم و كان
مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجي. و قال المرتضى من الشيعة بل صرفهم بأن سلبهم
العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة فهذا الصرف خارق للعادة فصار كسائر المعجزات.
و هذا قول فاسد بدليل قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ ... الآية، فإنه يدل
على عجزهم مع بقاء قدرتهم، و لو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم. هذا مع أن
الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن فكيف يكون معجزا و ليس فيه صفة إعجاز؟
بل المعجز هو اللّه تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله. و يلزم من القول
بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدّي و خلو القرآن من الإعجاز و في ذلك خرق
لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية. و لا معجزة له باقية على أنه لو كانوا
صرفوا، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به في الفصاحة و
البلاغة و حسن النظم و عجيب الرصف لأنهم لم يتحدوا إليه، و لم تلزمهم حجته، فلما
لم يوجد في كلام من قبله مثله علم أن القول بالصرفة ظاهر البطلان. (راجع الإتقان
2: 118 و شرح المواقف 2: 421 و إعجاز القرآن بهامش الإتقان 1: 45).
[2] اختلف في طريق ثبوت
الإمامة، من نصّ أو اختيار. فقال الجمهور الأعظم من أصحابنا و من المعتزلة و
الخوارج و النجارية، إن طريق ثبوتها الاختيار من الأمة باجتهاد أهل الاجتهاد منهم
و اختيارهم من يصلح لها. و كان جائزا ثبوتها بالنص، غير أن النص لم يرد فيها على
واحد بعينه فصارت الأمة فيها إلى الاختيار. و زعمت الإمامية و الجارودية من
الزيدية و الراوندية من العباسية أن الإمامة طريقها النص من اللّه تعالى على لسان
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم على الإمام. ثم نص الإمام على الإمام بعده، و
اختلف هؤلاء في علّة وجوب النص عليه فمنهم من بناه على أصله في إبطال الاجتهاد، و
منهم من بناه على أصله في وجوب عصمة الإمام و زعم أن العصمة لا تعرف بالاجتهاد و
إنما يعرف المعصوم بالنص. فأما البترية و الجريرية من الزيدية فقد وافقوا الفريق
الأول في الاختيار، و إنما خالفوهم في تعيين الأولى بالإمامة. و دليل الجمهور أن
النص على الإمام لو كان واجبا على الرسول صلى اللّه عليه و سلّم بيانه لبيّنه على
وجه تعلمه الأمة علما ظاهرا لا يختلفون فيه، لأن فرض الإمامة يعمّ الكافّة معرفته،
كمعرفة القبلة و إعداد الركعات و لو وجد النص منه هكذا لنقلته الأمة بالتواتر و
لعلموا صحته بالضّرورة كما اضطروا إلى سائر ما تواتر الخبر فيه فلما كنا مع كثرة
عددنا و زيادتنا على جميع فرق المدّعين للنص غير مضطرين إلى العلم بذلك علمنا أن
النص على واحد بعينه للإمامة لم يتواتر النقل فيه و إنما روي فيه أخبار آحاد من جهة
الروافض و ليست لهم معرفة بشروط الأخبار و لا رواتهم ثقات، و بإزائها أخبار أشهر
منها في النص على غير من يدعون النص عليه و كل منها غير موجب للعلم و إذا لم يكن
فيه ما يوجب العلم صارت المسألة اجتهادية و صح فيها الاختيار و الاجتهاد. (راجع
أصول الدين ص 279).