قوله: إن كلام الباري
تعالى إذا قرئ فهو عرض، و إذا كتب فهو جسم. و من العجب أن الزعفرانية[1] قالت كلام اللّه غيره، و كل ما هو
غيره فهو مخلوق، و مع ذلك قالت: كل من قال إن القرآن مخلوق[2] فهو كافر. و لعلهم أرادوا بذلك الاختلاف، و إلا فالتناقض ظاهر. و
المستدركة[3] منهم زعموا أن كلامه غيره، و هو مخلوق
لكن النبي صلى اللّه عليه و سلّم قال: «كلام اللّه غير مخلوق» و السلف عن آخرهم
أجمعوا على هذه العبارة، فوافقناهم، و حملنا قولهم غير مخلوق، أي على هذا الترتيب
و النظم من الحروف و الأصوات، بل هو مخلوق على غير هذه الحروف بعينها، و هذه حكاية
عنها. و حكى الكعبي عن النجار أنه قال: الباري تعالى بكل مكان ذاتا، و وجودا لا
معنى العلم و القدرة، و ألزمه محالات على ذلك.
و قال في المفكر قبل ورود
السمع مثل ما قالت المعتزلة إنه يجب عليه تحصيل المعرفة بالنظر و الاستدلال.
و قال في الإيمان إنه
عبارة عن التصديق. و من ارتكب كبيرة و مات عليها من غير توبة عوقب على ذلك، و يجب
أن يخرج من النار، فليس من العدل التسوية بينه و بين الكفار في الخلود.
و محمد[4] بن عيسى الملقب ببرغوث، و بشر[5] بن غياث المريسي،
[1] كان الزعفراني يعبر
عن مذهبهم بعبارات متناقضة فكان يقول: إن كلام اللّه تعالى غيره- و كل ما هو غير
اللّه تعالى مخلوق، ثم يقول مع ذلك: الكلب خير ممّن يقول كلام اللّه مخلوق. (راجع
الفرق بين الفرق ص 209 و التبصير ص 62).
[2] راجع كلام الخلفاء
و الصحابة و التابعين في خلق القرآن في كتاب «الأسماء و الصفات» ص 239.
[3] افترقوا فرقتين.
فقالت فرقة منهم أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم قال: كلام اللّه تعالى مخلوق، على
هذا الترتيب بهذه الحروف. و قالوا: و كل من لم يقل أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم
قال هذا فهو كافر. و قالت الفرقة الأخرى: إن النبي صلى اللّه عليه و سلّم لم يقل
أن كلام اللّه تعالى مخلوق، و لم يتكلم بهذه الكلمة على هذا الترتيب، و لكنه يعتقد
أن كلام اللّه تعالى مخلوق و تكلّم بكلمات تدل على أن القرآن مخلوق. (راجع التبصير
ص 62 و الفرق بين الفرق ص 208).
[4] كان على مذهب
النجار في أكثر مذاهبه و خالفه في تسمية المكتسب فاعلا.
[5] هو أبو عبد الرحمن.
فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة. و هو رأس الطائفة «المريسيّة» القائلة-