نام کتاب : التعليقات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 23
الإدراك: إنّما هو للنفس، و ليس إلّا الإحساس بالشيء المحسوس و
الانفعال عنه:
و الدليل على ذلك أن الحاسة قد تنفعل عن المحسوس، و تكون النفس لاهية
فيكون الشىء غير محسوس و لا مدرك، فالنفس تدرك الصور المحسوسة بالحواس و تدرك
صورها المعقولة بتوسط صورها المحسوسة، إذ تستفيد معقولية تلك الصور من محسوسيتها،
و يكون معقول تلك الصور لها مطابقا لمحسوسها و إلا لم يكن معقولها. و ليس للإنسان
أن يدرك معقولية الأشياء من دون وساطة محسوسيتها، و ذلك لنقصان نفسه و احتياجه فى
إدراك الصور المعقولة إلى توسط الصور المحسوسة. فأما الأول و العقول المفارقة لما
كانت عاقلة بذواتها لم تحتج فى إدراك صورة الشىء المعقولة إلى توسط صورته
المحسوسة و لم تستفدها من إحساسها، بل أدركت الصورة المعقولة من أسبابها و عللها التي
لا تتغير، فيكون معقولها منه لا يتغير لهذا الشأن. و لكل شخص جزئى معقول مطابق
لمحسوسه، و النفس الإنسانية تدرك ذلك المعقول بتوسط محسوسه.
و الأوّل و العقول المفارقة تدرك المعقول من علله و أسبابه، و حصول
المعارف للإنسان تكون من جهة الحواس، و إدراكه للكليات من جهة إحساسه بالجزئيات. و
نفسه عالمة بالقوة، فالطفل نفسه مستعدة لأن تحصل لها الأوائل و المبادئ، و هى تحصل
له من غير استعانة عليها بالحواس، لا يحصل له عن غير قصد و من حيث لا يشعر به. و
السبب فى حصولها له استعداده لها. فإذا فارقت النفس البدن، و لها الاستعداد لإدراك
المعقولات، فلعلها يحصل لها من غير حاجة لها إلى القوى الجسمية التي فاتته، بل
يحصل لها من غير قصد و من حيث لا يشعر بها كالحال فى حصول الأوائل للطفل. و الحواس
هى الطرق التي تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف.
المحسوس إذا لم تدركه النفس فلأن النفس مشغولة عنه بفكره أو عقله، و
يكون قد حصل فى الحس المشترك فلا يمكنه تأديته إليها، و لأن الحس المشترك قد شغلته
النفس بما هى مقبلة عليه فلا ينطبع المحسوس فيه.
النفس ما دامت ملابسة للهيولى لا تعرف مجرد ذاتها، و لا شيئا من
صفاتها التي تكون لها و هى مجردة، و لا شيئا من أحوالها عند التجرد لأنها لا
يمكنها الرجوع إلى خاصّ ذاتها و التجرد عما يلابسها و هذا يكون عائقا لها عن
التحقق بذاتها و عن مطالعة شىء من أحوالها. فإذا تجردت و زال عنها هذا العوق
فحينئذ تعرف ذاتها و أحوالها و صفاتها الخاصة بها، و أنها تدرك الأشياء بلا آلة
بدنية و إنها مستغنية عنها، و أن ما يتخيل لها الآن من أن لا حقيقة إلا للجسم
المحسوس و أن لا وجود لشىء سواه- كله باطل.
نام کتاب : التعليقات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 23