نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 156
فصل
جماهير المعتزلة صاروا إلى
أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب الطاعات و إن كثرت؛ و ذهب الجبائي و ابنه إلى أن
الزلات إنما تحبط ثواب الطاعات إذا أربت عليها، و إن أربت الطاعات درأت السيئات و
أحبطتها. ثم لا ينظرون إلى أعداد الطاعات و الزلات؛ و إنما ينظرون إلى مقادير
الأجور و الأوزار، فرب كبيرة واحدة يغلب وزرها أجر طاعات كثيرة العدد؛ ثم لا سبيل
إلى ضبط مبالغ الأقدار، بل هو موكول إلى علم اللّه تعالى، و اضطربوا في استواء
الحسنات و السيئات و لم يثبت لهم في ذلك قدم؛ و قال ابن الجبائي: لا يجوز وقوع ذلك
إذ ليس للمكلفين إلا الجنة أو النار، و إذا تساوت أقدار الأعمال، اقتضى تساويها
رتبة أخرى.
و كل ما ذكروه خبط لا
تحصيل له؛ إذ ليس بإزاء معرفة اللّه تعالى كبيرة يربو وزرها على أجرها، و الأشياء
تعرف بأضدادها، فيعلم أجر المعرفة بوزر ضدها؛ فكان من حقهم أن يدرءوا الزلات
بالمعرفة؛ فإذا لم يفعلوا ذلك، بطل هذيانهم بتغالب الأعمال و سقوط أقلها بأكثرها.
ثم لا يبعد في العقل أن تكثر طاعات عبد، و تصدر منه زلات و يعاقبه سيده عليها زمنا
ثم يرده إلى كرامته، و إن كانت زلاته أقل، و كل ما ذكروه تحكم لا محصول له.
ثم التوبة ندم على ما
نصفها، و من سعى في الأرض بالفساد عمره، و ثابر على انتهاك الحرمات دهره؛ فالندم
الواحد عليها يحبطها، و إن كان لا يبلغ مبلغها في التعب و النصب؛ فبطل كل ما
قالوه.
فصل الفرق بين الصغيرة و
الكبيرة
فإن قيل: قد ردّدتم ذكر
الصغائر و الكبائر؛ فميزوا أحد القبيلين عن الثاني. قلنا: المرضي عندنا أن كل ذنب
كبيرة، إذ لا تراعى أقدار الذنوب حتى تضاف إلى المعصيّ بها؛ فرب شيء يعد صغيرة
بالإضافة إلى الأقران، و لو صور في حق ملك لكان كبيرة يضرب بها الرقاب. و الرب
تعالى أعظم من عصي، و أحق من قصد بالعبادة، و كل ذنب بالإضافة إلى مخالفة الباري
عظيم، و لكن الذنوب و إن عظمت بما ذكرناه، فهي متفاوتة على رتبها، فبعضها أعظم من
بعض. و هذا كحكمنا للأنبياء بالفضيلة و علو المرتبة، و بعضهم أعلى من بعض؛ فهذا ما
نرتضيه.
فإن قيل: من الذنوب ما لا
يحط العدالة، و لا يوجب درء الشهادة؛ و منها ما يدرؤها؛ فميزوا ما ينافي العدالة
عما لا ينافيها في أحكام الدنيا. قلنا: ليس ذلك الآن من غرضنا؛ و الكلام في الجرح
و التعديل من مجال الفقهاء.
ثم نوجز قولا، فنقول: كل
جريرة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، فهي التي
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 156