نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 115
في عادات العقلاء قبيحا
نازلا منزلة ما لو جرح السليم نفسه من غير غرض صحيح في جلب نفع أو دفع ضر. و من
أنكر ذلك انتسب إلى جحد الضرورة.
ثم يقال لهؤلاء: الخير و
الميل إليه مدعو إليه أم لا؟ فإن أنكروا كونه مدعوا إليه، تركوا مذهبهم، من حيث
العقل على الخيرات، و تحذيره من السيئات. و إن قالوا الخير محثوث عليه، قيل لهم:
هل على من يحيد عنه ملام و آلام على حكم العقاب أم لا؟ فإن قالوا: لا يلزم شرير
عقابا، فقد جروا على ملابسة الشر و مجانبة الخير، و التزموا أن لا يلام مسيء، و
لا يخص بحسن الثناء عليه.
و كل ذلك يبطل ما يستروحون
إليه من تحسين العقول و تقبيحها، و إن قالوا: لوم المسيء و إيلامه، و تعريضه
للغموم و الهموم حسن، فقد نقضوا قولهم بأن الألم يقبح لنفسه.
فصل
و أما البكرية، فقد جحدوا
الضرورة و راغموا البديهة. فإنا على اضطرار نعلم تألم البهائم و الأطفال و قلقها
عند إلمام الآلام بها، و نفورها عما تعلم أنه يؤلمها. و لو ساغ جحد ذلك منها، لساغ
جحد حياتها، و المصير إلى أنها جمادات لا تحس و لا تألم و لا تدرك؛ و هذا القدر
مغن في الرد عليهم.
و أما أهل التناسخ، فإنما
حملهم على ما أبدعوه و شقوا به العصا أمر يلزم المعتزلة، و كلّ قائل بتقبيح العقل
و تحسينه. فإنهم قالوا: الابتداء بالإيلام من غير عوض قبيح، و لا يحسن أيضا
التعويض عليه مع القدرة على التفضل بأمثال العوض و أضعافه. و لا يحسن أيضا قصد
اعتبار غير المؤلم، إذ يقبح إيلام زيد ليعتبر عمرو؛ فلا يبقى وجه يحسّن الإيلام
إلا تقديره عقابا على أمر سابق، و ذلك يستدعي لا محالة تقدم التكليف و فرض مخالفة
فيه، و جريان الألم المتأخر عقابا على ما فرط.
و سنوضح توجه كلام
التناسخيين على المعتزلة. و لكنا نقول لهم: ما قولكم في ابتداء التكليف؟ فإن
قالوا: إن الرب تعالى ابتدأ تكليف ما في امتثاله مشقة، فقد صوروا إيلاما و آلاما
من غير اجترام، و نقضوا ما أصّلوه من كل وجه. فإن راموا من ذلك مخلصا، و قالوا:
إنما حسن إلزام الآلام ابتداء للثواب اللازم العظيم شأنه. فنقول لهم: هلا حسنتم
إيلام البهائم و الأطفال لأعواض عليها؟ فإن قالوا: التفضل بمثل العوض جائز، و
التفضل بمثل الثواب ممتنع، كان ما ذكروه تحكما؛ فإنه ما من مبلّغ إلى النعيم، إلا
و الرب سبحانه قادر عليه، متفضلا و مثيبا و معوضا، و سنشير إلى ذلك عند الكلام على
المعتزلة.
و إن قالوا: ما كلف اللّه
العباد ما فيه مشقة، فالذي ذكروه باطل؛ بأنه لو لم يكلف العباد ما فيه مشقة لم يجز
تكليف أصلا، و كان الأمر مهملا سدى. فكيف يتصور الاجترام؟ و من أي وجه استحقت
الآلام؟ و كيف يستقيم ذلك ممن يبني قاعدة مذهبه على التحسين و التقبيح؟ و إن
قالوا:
كلف الرب تعالى العباد
ملاذّ لا مشقات فيها، قيل لهم: هذا محال؛ فإن من ضرورة الإلزام في حكم
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 115