responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك    جلد : 1  صفحه : 116

التكليف أن يعتقد المكلف لزوم ما ألزم، و في وجوب الاعتقاد عليه و إلزامه العقاب، لو لم يعتقد لزوم ما ألزمه، تعريضه لمشقة لا خفاء بها.

ثم الغرض من التكليف، التعرض للثواب. و إنما يحسن في العقل على أصل التحسين الإثابة على مشاق من الأعمال؛ فإن جاز حزم حكم العقل في الإثابة على لذات عرية عن المشاق، ساغ أيضا نقض ما أصلوه بناء على تقبيح العقل الإيلام.

فإن قالوا: فوض الرب تعالى إلزام التكليف إلى خيرة الأرواح، قيل لهم: إذا قبح الألم من غير استحقاق، قبح التعريض له و التخيير فيه، و لا محيص لهم عما ألزموه.

ثم لنا بعد ذلك مسلكان: أحدهما، نسبتهم إلى جحد الضرورة في قولهم: إن البهائم تعقل، و يدعوها نبيها فتفهم تبليغ الرسالة. و ذلك جحد للضرورة؛ فإن مجوز ذلك يجوّز أن تكون الذباب و الديدان مفكرة في دقائق العلوم، يفهم بعضها من بعض التعريض للحجاج و الاستدلال و السؤال و الانفصال، و ذلك أمر هزء لا يلتزمه لبيب. و المسلك الثاني، أن تثبت عليهم الشرائع إن لم ينقلوها، فإذا ثبتت الشرائع ترتب عليها بطلان مذاهبهم المجانبة لموارد الشرع. فهذا القدر كاف في محاولة الرد عليهم.

و أما المعتزلة، فقد ذكرنا أنهم صاروا إلى أن الإيلام يحسن لوجوه، و لو عري عنها و عن آحادها، لكان قبيحا. و نحن الآن نتعقب تلك الوجوه بالنقض و الرفض واحدا واحدا.

فأما قولهم: الألم يحسن بكونه عقابا على أمر فارط، فهم فيه منازعون، و إلى الدليل عليه مدعوّون. فيقال لهم: لم قلتم إن الألم يحسن إذا كان عقابا؟ فإن قالوا: إنما قلنا ذلك لقضاء العقل بأن من ظلم و بغي عليه و أولم ابتداء أو اعتداء، فيحسن منه الإنصاف ممن ظلمه و عدا عليه. و إذا أساء العبد أدبه، لم يقبح عند العقلاء زجره. قلنا: ثم تنكرون على من يزعم أن ذلك إنما لم يقبح لاستفادة المنتصف بانتصافه، شفاء غليله و درء الحنق و المغايظ عن نفسه، فيرجع ذلك في التحصيل إلى دفع ألم بألم. و كلامنا في إيلام الرب تعالى من شاء مع استغنائه عنه، و تعاليه عن الحنق و الغيظ و الاحتياج إلى تبريد الغليل. فهلا قلتم: لا يحسن منه الألم مع استغنائه عنه و عدم احتياجه إليه، و لا يجري حكمه في ذلك مجرى حكم العباد! و هذا مما لا محيص لهم منه.

فإن قالوا: الرب تعالى و إن كان غنيا عن معاقبة المجرمين، فلو ترك معاقبتهم لكان ذلك إغراء بالفواحش و ارتكاب الجرائر و الكبائر. و هذا الذي ذكروه يبطل عليهم بقبول التوبة؛ فإنه حتم في حكم اللّه تعالى عندهم، و فيه إغراء بالذنب فإن مقارفه يتجرأ عليه لاعتقاد قبول توبته عن حوبته إذا تاب و أناب. و سنعود إلى ذلك في باب الثواب و العقاب. و هذا القدر كاف في غرضنا في هذا الوجه.

و أما قولهم: إن الألم يحسن للتعويض عليه بنعيم يربى عليه، فباطل من وجهين.

نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك    جلد : 1  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست