responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 89

يعرف أنها منزل من منازل السائرين إلى اللّه عز و جل، و هي كرباط [1] بني على قارعة الطريق، أعد فيها العلف و الزاد و أسباب السفر. فمن تزود منها لآخرته و اقتصر منها على قدر الضرورة التي ذكرناها في المطعم و الملبس و المنكح و سائر الضرورات، فقد حرث و بذر، و سيحصد في الآخرة ما زرع. و من عرج عليها و اشتغل بلذاتها هلك. و مثل الخلق فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملّاح بالخروج لقضاء الحاجة، و خوّفهم المقام و استعجال السفينة فتفرقوا فيها، فبادر بعضهم و قضى حاجته و رجع إلى السفينة فوجد مكانا خاليا واسعا، و وقف بعضهم فنظر في أزهار الجزيرة و أنوارها و ظرائف أحجارها و عجائب غياضها و نغمات طيورها، فرجع إلى السفينة فلم يجد إلا مكانا ضيقا حرجا، و أكبّ بعضهم على تلك الأصداف و الأحجار و أعجبه حسنها فلم تسمح نفسه إلا بأن يستصحب شيئا منها، فلم يجد في السفينة إلا مكانا ضيقا. و زادته الحجارة ثقلا و ضيقا، فلم يقدر على رميها و لم يجد لها مكانا، فحملها على عنقه و هو ينوء بأعبائها. و تولج بعضهم الغياض و نسي المركب و اشتغل بالتفرج في تلك الأزهار و التناول من تلك الثمار و هو في تفرجه غير خال من خوف السباع و الحذر من السقطات و النكبات، فلما رجع إلى السفينة لم يصادفها فبقي على الساحل، فافترسته السباع و مزقته الهوامّ. فهذه صورة أهل الدنيا بالإضافة إلى الدنيا و الآخرة، فتأملها و استخرج وجه الموازنة فيها إن كنت ذا بصيرة.

[فصل فى ان من عرف نفسه، و عرف ربه عرف وجه عداوة الدنيا للآخرة]

من عرف نفسه، و عرف ربه، و عرف زينة الدنيا و عرف الآخرة، شاهد بنور البصيرة وجه عداوة الدنيا للآخرة، إذ ينكشف له قطعا أن لا سعادة في الآخرة إلا لمن قدم على اللّه سبحانه عارفا به محبّا له؛ فإن المحبة لا تناله إلا بدوام الذّكر، و إن المعرفة لا تنال إلا بدوام الطلب و الفكر، و لا يتفرغ لهما إلا من أعرض عن أشغال الدنيا. و لا تستولي المعرفة و الحب على القلب ما لم يفرغ من حب غير اللّه تعالى؛ ففراغ القلب عن غير اللّه ضرورة اشتغاله بحب اللّه تعالى و معرفته. و لن يتصور ذلك إلا لمعرض عن الدنيا، قانع منها بقدر الزاد و الضرورة. فإن كنت من أهل البصيرة فقد صرت من أهل الذوق و المشاهدة؛ و إن لم تكن كذلك، فكن من أهل التقليد و الإيمان، و انظر إلى‌


[1] الرباط: المكان الذي تربط فيه الخيل، أو هو الحصن.

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 89
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست