نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 80
و الثاني: أن يدعو إلى
التنعم بالمباحات، و هو أقل الدرجات، فينبت على التنعم جسده، و لا يمكنه الصبر
عنه. و ذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق و الالتجاء إلى الظلمة، و ذلك
يدعو إلى النفاق و الكذب و الرياء و العداوة و البغضاء، و يتشعب منه جملة
المهلكات؛ و لذلك قال صلى اللّه عليه و سلم: «حب الدنيا رأس كل خطيئة».
و الثالث: أن يلهى عن ذكر
اللّه عز و جل الذي هو أساس السعادة الأخروية، إذ يزدحم على القلب خصومة الملاحين،
و محاسبة الشركاء و التفكر في تدبير الحذر منهم، و تدبير استنماء المال و كيفية
تحصيله أولا، و حفظه ثانيا، و إخراجه ثالثا؛ و كل ذلك مما يسوّد القلب، و يزيل
صفاءه و يلهي عن الذكر، كما قال اللّه تعالى:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ إلى آخر السورة.
[فصل فى معرفة مقدار
الكفاية]
لعلك تشتهي أن تعرف مقدار
الكفاية و تقول: ما من غني إلا و يدّعي أن ما في يده دون مقدار الكفاية. فاعلم أن
الضرورة إنما تدعو إلى المطعم و الملبس فقط، فإن تركت التجمل في الملبس، فيكفيك في
السنة ديناران لشتائك و صيفك، فتتخذ بهما ثوبا خشنا يدفع عنك الحرّ و البرد؛ و إن
تركت التنعم في مطعمك و الشبع من الطعام في جميع أحوالك، فيكفيك في كل يوم مدّ،
فيكون في السنة خمسمائة رطل، و يكفيك لإدامك- إن لم توسّع فيه و اقتصرت على اليسير
منه في بعض الأوقات- ثلاثة دنانير على التقريب في السنة، عند رخاء الأسعار. فإذا
يبلغ كفايتك خمسة دنانير و خمسمائة رطل، و هو القدر الذي نقدره إذا فرضنا نفقة
العزب. فإن كنت معيلا فخذ لكل واحد منهم مثل ذلك؛ فإذا كنت كسوبا و كسبت في اليوم
ما يكفيك ليومك، فانصرف و اشتغل بعبادتك، فإن طلبت الزيادة صرت من أهل الدنيا. و
إن لم تكن كسوبا و كنت مشغولا بالعلم و العبادة، و اقتنيت ضيعة يدخل منها هذا
القدر دائما، فأرجو أن لا تصير بذلك من أهل الدنيا، لا سيما في هذه الأعصار[1]، و قد تغيرت القلوب، و استولى عليها
الشحّ، و انصرفت الهمم عن تفقد ذوي الحاجات. فاقتناء هذا القدر أولى من السؤال؛ و
هذا بشرط أن يكون بودّك أن تتخلص من التعرض إلى الجوع و البرد، لتطرح الضيعة و
تتركها،