نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 34
اللّباب المطلوب؛ و ذلك
بأن لا يلتفت إلى الذكر و لا إلى القلب، بل يستغرق المذكور جملته؛ و مهما ظهر له
في أثناء ذلك التفات إلى الذكر، فذلك حجاب شاغل. و هذه الحالة التي يعبر عنها
العارفون بالفناء، و ذلك بأن يفنى عن نفسه حتى لا يحس بشيء من ظواهر جوارحه، و لا
من الأشياء الخارجة عنه، و لا من العوارض الباطنة فيه، بل يغيب عن جميع ذلك و يغيب
عنه جميع ذلك، ذاهبا إلى ربه أولا، ثم ذاهبا فيه آخرا، و إن خطر له في أثناء ذلك
أنه فني عن نفسه بالكلية فذلك شوب[1] و كدورة؛ بل الكمال في أن يفنى عن نفسه و يفنى عن الفناء أيضا، فإن
الفناء عن الفناء غاية الفناء، و هذا قد يظنه الفقيه الرسمي، أنه طامّات[2] غير معقولة، و ليس كذلك، بل هذه
الحالة لهم- بالإضافة إلى محبوبهم- كحالتك في أكثر الأحوال بالإضافة إلى محبوبك من
جاه أو مال أو معشوق، فإنك قد تصير مستغرقا لشدة الغضب بالفكر في عدوك، و لشدة
التفكر في معشوقك، حتى لا يكون فيك متسع لشيء أصلا، فتخاطب فلا تفهم، و يجتاز بين
يديك غيرك فلا تراه و عيناك مفتوحتان، و يتكلم عندك فلا تسمع و ما بأذنيك صمم، و
أنت في هذا الاستغراق غافل عن كل شيء و عن الاستغراق أيضا، فإن الملتفت إلى
الاستغراق معرض عن المستغرق به. و إنما سمّوا هذه الحالة فناء، و إن كان الشخص و
الظل باقيين، لأن الأشخاص و الأظلال بل سائر المحسوسات ليس لها حقيقة الوجود، بل
الوجود الحقيقي لعالم الأمر و الملكوت، و القلب من عالم الأمر؛ قال اللّه تعالى:
قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85]. و القوالب من عالم الخلق، و أعني بالقلب[3] اللطيفة الذاكرة العارفة التي هي مهبط
الأنوار الإلهية دون القلب الظاهر، فإن ذلك من عوالم الخلق، فلا يفهم من هذا إشارة
إلى قدم الروح و حدوث القالب بل هما جميعا حادثان. و إنما أعني بالخلق ما تقع عليه
المساحة و التقدير، و هي الأجسام و صفاتها. و أعني بعالم الأمر ما لا يتطرق إليه
التقدير. و العالم الجسماني ليس له وجود حقيقي، بل هو من ذلك العالم كالظل من
الأجسام، و ليس لظل الإنسان حقيقة الإنسان، و ليس للشخص حقيقة الوجود، بل هو ظل
الحقيقة، و الكل من صنع اللّه تعالى. قال اللّه